تغريدات

من قصص الحياة ( 2 الأخيرة)

حبيب الله أحمد

تملكني شعور بالذنب

لماذا استدر دموع هذا الرجل بسؤاله عن نجله
وماذنب طفله الصغير حتى اوقظ فيه حنينا لاخيه الأكبر
واصلنا الرحلة
حولت وجهة الحديث حتى أخرج الرجل من نوبة الدموع
تحدثنا عن مقاطعة الرياض
ذكر لى انه يعتقد ان نسبة الأجانب فيها مرتفعة وتضاعفت خلال السنوات الأخيرة
قال إن اقاربه هجروها نحو مقاطعات اخرى وحيه تبدل بالكامل جيرانه لايعرفهم ولايعرفونه يغلقون عليهم ابواب منازلهم طوال الوقت ولديه مشكلة فى التفاهم معهم لفظيا
استغرب انهم يشترون المنازل بأسعار خيالية حتى لوكان موقعها بعيدا عن الشارع مثلا ولاحظ انهم يشترونها ثم يبيعونها لاقارب لهم ليتمددوا فى المقاطعة
وصلنا إلى المنزل
ليس منزله غريبا علي فقد زرته مرات مع أصدقاء لى وكان ابن اخت الرجل يستضيفنا بكل اريحية قبل أن يضرب فى الأرض الافريقية منذ سنوات
طلب منى النزول فاعتذرت بسبب الانشغالات
أدخل طفله إلى المنزل ثم عاد إلي
ظللت وجهه دموع كريمة
بدأ يحدثني عن ابنه الذى سالته عنه
( كما تعلم هو ابن بار بى وبوالدته
أنا كما ترى ضعفت كثيرا ووالدته طريحة الفراش بسبب جلطة داهمتها منذ بعض الوقت
هوكان كل شيء فى حياتنا
ابننا سائقنا خادمنا حارسنا حامينا مصدر دخلنا
كان يقوم بكل عمل متاح للإنفاق علينا
عمل سائق سيارة أجرة وبائعا للرصيد وغسالا وجزارا
تقريبا كل مهنة تخطر على البال مارسها وكنا نعيش من عرق جبينه
فأنا لا املك شيئا مجرد جندي متقاعد وتعويضات التقاعد لاتسمن ولاتغنى من جوع والجندي المتقاعد لايزوره زائر ولايذكره ذاكر
كأننى نجوت من الموت مرات فى “لكويره” و”آوسرد” و”اتميمشات” و” بير ام اكرين” لابقى شاهدا على تنكر الموريتانيين لشهداء جيشهم وجرحاه ومتقاعديه الذين دافعوا عنهم وتركوا شبابهم وطموحاتهم على حجر الشمال وشجره ومدره دماء زكية واطيافا منسية
فجاة قرر ابنى الهجرة وعندما كنت أبكى لاستعطافه للبقاء معنا كان يبكى استدرارا لإذنى كي يهاجر
قال إنه شرب الفقر والفاقة والظلم ولم يعد لديه ما ينفعنا به سوى ان يهاجر بحثا عن العمل من أجلنا
والدته غائبة حاضرة ولوكانت على( شدها) و( عدها) لماتركته يسافر بعيدا عنا
هزمتني دموعه اليائسة فاذنت له على مضض
لا أعرف كيف غطى مصاريف سفره
المهم غابت عنى اخباره لمدة نصف سنة واحتسبته عندالله وابيضت عينى بكاء وحزنا عليه إلى أن هاتفنى من أمريكا فكدت أموت فرحا بسماع صوته إنه شجرتنا الظليلة وكهفنا ومجننا
الحمدلله اندمج هناك وجد عملا مقبولا والأهم قال إنه يشعر بالكرامة الشخصية التى كان يفتقدها هنا فى وطنه
يحول لنا شهريا مبلغا لابأس به ننفق منه على ( الصاير) وأدوية والدته والماء والكهرباء ومستلزمات دراسة الأطفال والبنات ونساعد منه اقاربنا الفقراء قدر المستطاع والحمدلله
ومع ذلك فأنا أشتاق إليه لايهمني المال يهمنى أن اعانقه قبل أن أموت
والدته فى لحظات الهذيان تردد اسمه ربما تعتقد انه جالس معها لذلك طوال فترات كلامها القليلة ( محمود طينى نشرب محمود خرص اخوتك أمنين محمود الباسى صكلولى محمود عدل حالت لعش)
كان الله فى عونها فمحمود بينها معه جبال وبحار وقارات ومهامه لانهاية لها
حتى الأطفال يبكون إذا ذكر اسمه ياكلهم الشوق لرؤيته
محمود كان كل شيئ فى هذا المنزل والآن اين محمود
هل ستراه والدته لآخر مرة
هل سأقبله فى الرأس قبل أن يحال بينى معه فالعمر يمضى مسرعا والصحة على ظهره )
تأثرت كثيرا وأنا اسمع قصة محمود من والده
تبادلنا أرقام الهواتف
افترقنا ولم يزل يشير إلي بيده المكافحة مودعا حتى حال بيننا موج الزحام
( ملاحظة // الحلقة (1) فى اول تعليق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى