آراء

كيف دخلت التلفزيون الوحيد؟ الحلقة 2

مصطاف محمد عمار/ مستشار بوزارة تمكين الشباب والتشغيل والرياضة والخدمة المدنية

أجبته وكنت ومازلت أحتفظ له ببعض الود:

– عزيزي مهدي، أشكرك على مشاعرك الأخوية، لكنني أؤكد لهؤلاء أنني لم أفكر يوما في مشاعرهم عندما كنت أنحت في الصخر بصمت.
وقبل أن أودعه قلت له مازحا أو جادا:
-يناسبني جدا استخدام لغة أهل الجبال، فأنا ابن عتيد لمدينة المجرية.

*********
كنت أعي جيدا ما أقول، فحين أتحدث – دون فخر- عن انتمائي لجيل الثمانينات-التسعينات بمدينة المجرية، فإنني أعني بذلك أشياء عدة.
فأنا أحد المنتمين لجيل أدرك بقايا القيم التي تعلي من شأن التعليم وتعتبره الميزة الوحيدة للوجاهة.

وقد ظلت بيئتنا الثقافية – الاجتماعية في منأى عن الشحن القبلي و الشرائحي، وكان كل متباه بانتمائه القبلي أو تفوقه العرقي أو الشرائحي نشازا يعرض نفسه دوما للاشمئزاز.

ولا أحد منا – في تلك الفترة- كان يمتلك من الجلد ما يجعله يتحمل كلمات المعرة مثل ” آخ، أو آخوخ، أنت شخص قديم ومتخلف”

وبقدر ما كان عالمنا صغيرا وجميلا، كانت أبوابه مشرعة أمام المتفوق، فيما ظلت بيئة المدرسة جاهزة لرفد كل وافد بالمعارف والقيم المحلية، فكان أمام التلميذ خياران متمايزان، لكنها متكاملان:

إما أن يتعلم على يد محمد شف ليبر Mohamed Chef Liber، ويتلقى صفعات الفشل على يد أكثر المعلمين صرامة في المدرسة رقم 2، أو يختر الالتحاق بالمدرسة رقم واحد، حيث سيعرضه فشله لتحمل النظرات النارية للمختار ولد أندابوز، وسيسمع دوما كلمة imbécile مع جرعات قاسية من الكرباج.

***************
حملت معي تلك القيم- التي ظلت تغذيها بعض المرويات العائلية أو ما يسميه روجيه غارودي بالأساطير المؤسسة للعائلة.
وقد جلعت من ذلك المخزون المعنوي حصنا منيعا، جعلني لا أستحضر مسألة اللون إلا نادرا.

والحقيقة أقول إنني كنت أنسى – في حالات كثيرة – أنني بهذا اللون الذي قد يرى فيه آخرون شيئا مختلفا، سلبا أو إيجابا.
ربما لأنه لم يكن بعد قد أفادني، أو أضر بي في شيء، وربما لأنني لم أدرك بعد كيف أوظفه جيدا.

ما يمكنني تأكيده هو أنني لم أوظفه قطعا خلال رحلة الانتقال من وظيفة إلى أخرى داخل دولة الإمارات وخارجها.
فعندما التحقت – مثلا- بمركز الإمارات للدارسات والبحوث الاستراتيجية في سبتمبر 2015 – عن طريق امتحان كتابي وشفهي- كنت فقط مصطفى جمال عمر من موريتانيا.
وكنت الشخص نفسه عندما اجتزت بنجاح مقابلة التوظيف بقناة سكاي نيوز عربية.
وتكرر نفس التعريق عندما اجتزت امتحان الاختيار كمراسل لبي بي سي، وDW وغيرهم.

صحيح أنني أعرف دوما من أكون، لكن تعريفي لنفسي قد يختلف جذريا عما يرغب به الآخرون، وهم أحرار في فهمهم، لكن تعريفهم قد لا يلزمني البته.
لتلك الأسباب وغيرها لم أجد أي مبرر يدفعني لإرضاء من كانوا يسألون عن طريقة ولوجي للتلفزيون في اكتوبر 2007.

***********
لا يمكن إنكار مسألة أساسية في هذا المقام، وهي أن السياق السياسي العام، قد هيأ الأرضية لتحولات ما كانت لتحدث لو لم نكن في نهاية مرحلة انتقالية مميزة سياسيا، أشفعت بانتخابات شفافة جلبت رئيسا مدنيا منتخبا.

وكدارس للتاريخ، أفهم أنه من البديهيات أن يكون لكل حدث أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهو ما جعلني أستشعر جيدا أهمية مداخلات النائبة الموقرة المعلومة منت بلال وأشخاص آخرين في تهيئة الأجواء ابتداء من سنة 2007، لتقبل فكرة تلوين الشاشة، وإتاحة الفرصة لمختلف مكونات المجتمع الموريتاني لرؤية أنفسهم عبر التلفزيون الوحيد آنذاك..

لا شك أيضا أن جسارة إداري عتيد مثل طيب الذكر، حمود ولد أمحمد وبعض المقربين منه، كان لها دور بارز في إحداث الفرق.

لكنني أيضا كنت هناك ، وكنت قريبا جدا….

يتواصل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى