تمكين الشباب: رهان موريتانيا الاستراتيجي نحو المستقبل
م. عبد الله أميمه/ رئيس المنتدى الوطني لتمكين الشباب/ عضو المجلس الوطني للشباب

في عالمنا المعاصر، حيث تبرز التحولات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية بوتيرة متسارعة، يتعاظم دور رأس المال البشري كعامل حاسم في مواجهة الأزمات وتحقيق التنمية المستدامة. وسط هذا السياق، تبرز موريتانيا كدولة تمتلك واحدة من أهم المزايا الديموغرافية بشريحة شبابية تشكل أكثر من 70% من السكان، أي برأس مال بشري شاب. لذا، فإن تمكين الشباب ليس مجرد أولوية تنموية، بل هو رهان استراتيجي يُحدد معالم مستقبل البلاد ضمن محيط جغرافي يطبعه عدم الاستقرار الأمني والسياسي ويواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، رغم كونها حالة استثناء في شبه المنطقة وخصوصا ضمن ما يصطلح على تسميته الى عهد ليس بالبعيد بدول الساحل الخمسة، والتي اكتوت مجتمعة بنار الحركات الارهابية المتطرفة، ودخلت بعض أقطارها في تحولات وأزمات واضطرابات سياسية عسيرة.
الشباب: محرك النمو والتقدم
يجمع المختصون في قطاع التنمية الدولية على أن الاستغلال الأمثل للموارد والثروات يشكل خلطة سحرية لجاهزية أي بلد -مهما كان – لمواجهة الأزمات وتحقيق التنمية والرخاء، ولا يخفى على المتتبعين في هذا السياق الدور المحوري للموارد البشرية عموما وللطاقات الشبابية على وجه الخصوص.
لدينا إجماع على أن الشباب الموريتاني هم الثروة الوطنية الأكثر أهمية على حد الاطلاق، وسيمكن الاستثمار في هذه الشريحة، سواء من خلال التعليم الجيد أو التدريب المهني وتعزيز ريادة الأعمال، من فتح آفاق جديدة لتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي بموارد طبيعية بدائية ومحدودة إلى اقتصاد متنوع وأكثر تنافسية نسبيا، وأود الاشارة هنا أن هذا الاستثمار أو بعبارة أخرى التمكين يجب أن يتجاوز المفهوم التقليدي للدعم الاقتصادي، ليشمل تعزيز دور الشباب في صناعة التنمية وتطوير السياسات العامة التي تؤثر بشكل مباشر على حاضرهم ومستقبلهم.
تحديات تمكين الشباب: فرص واعدة في الأفق
رغم المؤشرات الإيجابية على الإمكانات والموارد الطبيعية الهائلة، الا أنها تصنف بين الدول النامية والأقل نموا، وبذلك تواجه موريتانيا تحديات جمة في مسيرة تمكين الشباب، مثل ارتفاع معدلات البطالة، تفاوت الفرص بين المناطق الحضرية والريفية، وضعف المهارات المتخصصة، إلا أن هذه التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص مع الرؤية الجديدة المعلنة لقيادة البلد ومن خلال سياسات صارمة، مبتكرة ومتكاملة.
لتشمل تلك السياسات دعم برامج التدريب المهني المرتبطة بسوق العمل، تحفيز إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز البنية التحتية الرقمية لتوفير فرص متكافئة للشباب في كل مناطق البلاد.
الابتكار وريادة الأعمال: نافذة نحو الأسواق العالمية
مع انتشار التكنولوجيا الرقمية، يمتلك الشباب الموريتاني فرصة استثنائية لولوج الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال الابتكار وريادة الأعمال. دون أن ننسى أن المبادرات الهادفة إلى تمويل الشركات الناشئة وتقديم الإرشاد اللازم أصبحت ضرورة لتحقيق هذه الطموحات. فالاقتصاد الرقمي يمثل اليوم المحرك الأساسي للتحولات الاقتصادية العالمية، ويمكن أن يكون أداة فعالة لخلق فرص عمل مستدامة للشباب، وزيادة الاعتماد على اقتصاد المعرفة.
رؤية وطنية لتمكين الشباب
تمكين الشباب في موريتانيا هو جزء محوري من رؤية وطنية طموحة تستحق الإشادة والدعم.
تبناها رئيس الجمهورية المنتخب لفترة رئاسية ثانية منذ أشهر معدودة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي جعل من تمكين الشباب أحد ركائز برنامجه الوطني. هذه البرنامج أو الرؤية الاستراتيجية تؤكد قناعة القيادة السياسية بأن الشباب ليسوا فقط أمل المستقبل، بل هم القوة الدافعة لتحقيق التنمية والاستقرار في الحاضر.
تمكين الشباب: مسؤولية وطنية مشتركة
إن رهان موريتانيا على شبابها هو خطوة مدروسة نحو مستقبل أفضل، لكن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر جهود الحكومة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والفاعلين الشباب أنفسهم، حيث لا يستقيم لتمكين الشباب أن يكون مشروعًا فرديًا، بل يجب أن ينظر إليه كتوجه وطني شامل، ومع التزام الجميع بتحقيق هذا الهدف، يمكن لموريتانيا أن تصبح نموذجًا تنمويا رائدًا باستثمار رأس مالها البشري، وقصة نجاح تستحق أن يُحتذى بها على المستوى الإقليمي والدولي.