آراء

مشاركة موريتانيا في قمة العشرين: طريق نحو الريادة الإفريقية

الداود أبا - دكتور باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط

تشكل مشاركة موريتانيا في قمة مجموعة العشرين (G20) نقطة تحول كبيرة في مسيرتها نحو تبوء مقعد ريادي على الساحة الإفريقية والعالمية. هذه المشاركة ليست فقط رمزًا للاعتراف بمكانة موريتانيا في الخريطة الدولية، بل أيضًا تعبيرًا عن قدراتها الاقتصادية المتزايدة ودورها الاستراتيجي المتنامي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. وتحت قيادة الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، تسعى موريتانيا إلى إعادة تشكيل صورتها الدولية، حيث يعمل على تحديث البلاد وتحقيق نهضة حداثية شاملة. 

المحور الأول: إمكانات موريتانيا الاقتصادية وثرواتها الطبيعية

موريتانيا تمتلك إمكانات اقتصادية كبيرة بفضل ثرواتها الطبيعية المتنوعة. تعتبر الصيد البحري أحد أهم القطاعات الاقتصادية، حيث تمتلك موريتانيا شريطًا ساحليًا غنيًا بالثروة السمكية على المحيط الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعادن، بما في ذلك الحديد والذهب والنحاس، تشكل مصدرًا هامًا للدخل القومي. 

في السنوات الأخيرة، أصبحت صناعة النفط والغاز محط أنظار المستثمرين الدوليين بعد اكتشافات مهمة على سواحلها. بدأت موريتانيا في استثمار هذه الثروات بشكل أوسع، مما يعزز اقتصادها ويزيد من قدرتها على المنافسة في الأسواق الدولية. علاوة على ذلك، فإن التوسع في الزراعة وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، يعد ركيزة أساسية في استراتيجية البلاد لتحقيق تنمية مستدامة.

المحور الثاني: كسر الصورة النمطية عن إفريقيا

تسعى موريتانيا، من خلال مشاركتها في قمة العشرين، إلى تغيير التصور الشائع عن القارة الإفريقية كمنطقة تعاني من الفقر وعدم الاستقرار. البلد يسعى إلى تقديم نفسه كوجهة للاستثمارات الأجنبية ومركز اقتصادي ناشئ في إفريقيا، قادر على توفير فرص اقتصادية واعدة.

موريتانيا تبذل جهودًا لإظهار أن إفريقيا ليست مجرد قارة تعتمد على المساعدات الدولية، بل هي قارة تمتلك ثروات هائلة وقدرات بشرية مؤهلة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. التركيز على هذه الرسالة في مثل هذه المنتديات العالمية يعزز من فرص القارة الإفريقية عمومًا وموريتانيا خصوصًا في استقطاب الاستثمارات والتكنولوجيا المتقدمة. 

المحور الثالث: دور موريتانيا الاستراتيجي في منطقة الساحل

تلعب موريتانيا دورًا محوريًا في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تعاني من التهديدات الأمنية، مثل الإرهاب وتهريب المخدرات. بفضل موقعها الجغرافي بين شمال وغرب إفريقيا، تمثل موريتانيا جسرًا يربط بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء. 

تحت قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ساهمت موريتانيا في تحالفات أمنية متعددة الأطراف، مثل مجموعة دول الساحل الخمس (G5 Sahel)، التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى موريتانيا إلى تطوير استراتيجيات إقليمية ودولية لتحسين الحوكمة وتعزيز التنمية الاقتصادية في منطقة الساحل، مما يجعلها شريكًا استراتيجيًا مهمًا للدول الكبرى.

المحور الرابع: الشراكات الدولية وتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا

من أبرز إنجازات موريتانيا في السنوات الأخيرة تعزيز التعاون الدولي، خاصة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. هذا التعاون يتمحور حول قضايا مثل الهجرة والأمن، حيث تلعب موريتانيا دورًا مهمًا في الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى أوروبا.

عقدت موريتانيا اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي تتعلق بمكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن البحري، إضافة إلى برامج تنموية تهدف إلى تحسين ظروف العيش في البلاد، وبالتالي تقليل دافع الهجرة. كما أن التعاون مع الولايات المتحدة يعزز قدرة موريتانيا على مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة في المنطقة. 

المحور الخامس: التعاون مع الدول الجارة – المغرب، الجزائر، والسنغال

تلعب موريتانيا دورًا محوريًا في تعزيز التعاون الإقليمي مع الدول الجارة مثل المغرب، الجزائر، والسنغال.

علاقات موريتانيا مع المغرب تتميز بالتعاون الاقتصادي والتجاري، حيث تشكل المعابر الحدودية بين البلدين شريانًا مهمًا للتجارة البينية. كما تعمل موريتانيا على تعزيز التعاون مع المغرب في مجالات الأمن، الزراعة، والصيد البحري.

أما مع الجزائر، فقد شهدت العلاقات تطورًا إيجابيًا في السنوات الأخيرة، مع تعزيز التعاون الأمني والتجاري بين البلدين، خاصة في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في منطقة الساحل.

بالنسبة لعلاقاتها مع السنغال، فإن البلدين يتقاسمان نهر السنغال الذي يشكل مصدرًا مشتركًا للتنمية الاقتصادية والزراعية. التعاون الثنائي يتركز على إدارة الموارد المائية المشتركة وتطوير مشاريع الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز التجارة البينية.

المحور السادس: دور الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في نهضة موريتانيا

منذ توليه الرئاسة في 2019، قام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي أظهرت تحولات إيجابية في البلاد. فترة ولايته اعتُبرت بمثابة نهضة حداثية لموريتانيا، حيث ركزت حكومته على تطوير البنية التحتية، تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد. 

من بين الإنجازات البارزة للرئيس الغزواني هو تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال برامج تهدف إلى دعم التعليم والتدريب المهني للشباب، مما يمهد الطريق لهم للعب دور فعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. 

كما أن الغزواني يحرص على ترسيخ التنمية المستدامة في السياسات الحكومية، من خلال مشاريع تعنى بالطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة، مما يعزز مكانة موريتانيا كدولة نموذجية في المنطقة. 

ختاما، فان مشاركة موريتانيا في قمة العشرين تمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز مكانتها كدولة ريادية في إفريقيا والعالم. تسعى موريتانيا إلى تسليط الضوء على إمكاناتها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية، بالإضافة إلى دورها الاستراتيجي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. تحت قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، تشهد البلاد نهضة شاملة تهدف إلى تحديث الاقتصاد، تعزيز الأمن، وتحقيق التنمية المستدامة.

من خلال الشراكات الدولية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتعاونها الوثيق مع جيرانها من المغرب، الجزائر، والسنغال، تسعى موريتانيا إلى تعزيز استقرارها ونموها الاقتصادي، والمساهمة في تشكيل مستقبل أكثر إشراقًا للقارة الإفريقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى