نثمن عاليا سياسة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لمحاربة الفساد والمفسدين، فهي أولي الأولويات لبلد ما زال يسير نحو التنمية، وهي سياسة ترتكز على أن الفساد هو المانع من نهوض البلد ومن تنميته ومن الحكامة الرشيدة…، وتمشيا مع سياسته وشدا على يده، نلفت نظره إلى أن الفساد الإداري هو رأس الفساد الذي يجب أن تبدأ به الحرب، فكما يقول ذو الرمة:
تمام الحج أن تقف المطايا …. علي خرقاء واضعة اللثام
فحري به أن يبدأ هذه الحرب من رأسها وقلبها، ذلك أن الفساد الإداري ينخر البلد منذ عقود من الزمن، وقد أورده المهالك وسبب له الكثير من الاختلالات،
وسأتحدث في هذه العجالة عن مفهومه وأسبابه وعن بعض مظاهره وأشكاله الرئيسية مع مجموعة من التوصيات والمقترحات الهادفة إلى مكافحته.
وقبل ذلك أشير إلى أن بلدنا يتمتع بمنظومة قانونية وتشريعه متميزة شكلا ومضمونا, لو اعتمدت كإطار قانوني لمحاربة الفساد الإداري، نذكر منها على سبيل المثال: الأمر رقم 83 ـ 162 الصادر بتاريخ 09 يوليو 83 المنشئ للقانون الجنائي , القانون رقم 014 / 2016 الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016 المنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد 1358 , المتعلق بمكافحة الفساد، القانون رقم 025 / 2007 الصادر بتاريخ 9 ابريل 2007 المنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد 1144 المتعلق بالمدونة الأخلاقية، القانون رقم 93 ـ 09 المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة الصادر بتاريخ 18 يناير سنة 1993 , المعدل بالقانون رقم 2020 / 20 الصادر بتاريخ 06 أغسطس 2020 , المنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد 1467 بتاريخ 15 أغسطس 2020 .
أولا: مفهوم الفساد
ـ مفهوم الفساد في اللغة:
حسب إمام اللغة محمد ابن مكرم جمال الدين ابن منظور، فإن الفساد نقيض الإصلاح، فالمفسدة خلاف المصلحة، والاستفساد خلاف الاستصلاح، والأمر مفسدة أي فيه فساد، قال أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة ….. مفسدة للعقل أي مفسدة.
وخلاصة تعريفات أهل اللغة، فإن الفساد هو ما خرج عن نطاق الاستقامة، والمتتبع لاستخدامات العرب لهذه اللفظة، يجد أنها تطلق على عدة معاني، منها: الاضطراب والجدب والقحط، فيقال فسدت الأمور أي دخلها الخلل وأدركها الاضطراب.
مفهوم الفساد في الشريعة الإسلامية
تتفق الشريعة في نظرتها للفساد مع أهل اللغة, غير أن الشريعة تنظر إلي الفساد من منظور أشمل و أوسع فالفساد في نظرها يشمل جميع أنواعه ومختلف صوره , فكل المخالفات والانحرافات عن الطريق المستقيم تشكل فسادا في شريعة الإسلام , والتكفير عن ذلك الفساد أو تلك الذنوب والمعاصي يكون سببا لتوبة المفسدين وندمهم علي ما فات من ارتكاب تلك المعاصي والمخالفات, ولهذا حذر القرآن منه في أكثر من آية، فقال تعالي: ” ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ” وقال أيضا ” وواعدنا موسي ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسي لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين “.
ويتضح من هذه الآيات أن مدلول الفساد يشمل جميع أنواعه وصوره سواء كان ماليا أو إداريا أو سياسيا أو اجتماعيا
وقد جاءت السنة النبوية بكثير من الشواهد، تنذر بخطورته وتحذر منه، ومن ذلك ما يروي عن النبي صلي عليه وسلم من أنه أستعمل رجلا من بني الأسد علي الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام رسول الله صلي عليه وسلم وصعد على المنبر فحمد الله وأثني عليه وقال: “ما بال عامل ابعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدي إليه أم لا”؟
وقد ركز علماء الشريعة الإسلامية على الفساد بحثا وتحقيقا، فكان من مقاصد هم البحث في مقتضي القاعدة الأصولية المعروفة ” جلب المصلحة ودرء المفسدة ” وتصولوا بعد البحث إلى أن درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح، ومن أحسن من تكلم في هذا الموضوع وقعد له، فقيه الشافعية الإمام العز ابن عبد السلام الذي يعتبر رائد فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، كما الإمام الشاطبي رائد فقه رعاية المالات،
يقول العز ابن عبد السلام في هذا الإطار: ” إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله فيهما لقوله تعالي: ” فاتقوا الله ما استطعتم “، وإذا تعذر الدرء والتحصيل فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة لقوله تعالي: ” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما” ,
هذا ما جعل العلماء يقولون بأن عناية الشرع الحكيم بالمنهيات أعظم من عنايته بالمأمورات، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلي عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي عنه قال: سمعت رسول الله صلي عليه وسلم يقول: ” ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم “.
ــ مفهوم الفساد الإداري
من أحسن التعريفات التي وقفت عليها في إطار البحث هو تعريف الفقيه القانوني هنتجتون (Huntington)
وقد جاء في تعريفه أن الفساد الإداري ” انحراف سلوك الموظف العام عن المعايير المتفق عليها لتحقيق أهداف وغايات خاصة “، وقد طعن في هذا التعريف الدكتور اكرام بدر الدين، حيث اعتبر أنه لا ينبغي أن ننظر إلى الفساد على أنه خروج على القوانين المتفق عليها، لأن القوانين قد تكون فاسدة من صنع المفسدين، والمفسدون كثيرا ما يسمحون بتقنين الفساد وتشريعه.
ويعتبر الفساد الإداري جزء من منظومة الفساد العام، وقد حدد صندوق النقد الدولي مفهومه فعرفه بأنه: ” سوء استخدام السلطة العامة من أجل الحصول على مصلحة خاصة ” كما حددت مفهومه منظمة الشفافية الدولية بأنه: ” كل عمل يتضمن إساءة استخدام المنصب ويحقق مصلحة شخصية “, كما عرفه البنك الدولي علي أنه: ” إساءة استعمال السلطة الوظيفية لتحقيق مكاسب خاصة “.
وينطوي الفساد الإداري على أنماط وصور، منها على سبيل المثال: الفساد المالي والفساد التنظيمي الذي هو من أخطر أنواع الفساد الإداري، ولا يقل خطورة عن الفساد المالي، ويعتبر الفساد التنظيمي مجموعة من السلوك الإنحرافية تصدر من الموظف اثناء قيامه بواجب الوظيفة.
ثانيا: أساب الفساد الإداري
من أهم الأسباب المؤدية إلى انتشار ظاهرة الفساد الإداري، فقدان البنية الإدارية الصحية، والتساهل في إيقاع العقوبة على الأشخاص الذين يرتكبون الأخطاء الإدارية، هذا مع وجود النصوص القانونية المجرمة لتلك المسلكيات والظواهر المشينة، ويمكن اختصار الأسباب المؤدية إلى انتشار ظاهرة الفساد الإداري في الأسباب التالية:
أ ــ غياب الوازع الديني والأخلاقي
يؤدي نقص الوازع الديني والأخلاقي إلى تفشي ظاهرة الفساد الإداري، فعدم التمسك بالقيم الدينة والأخلاقية يؤدي إلى الانصياع نحو ممارسة الفساد، فالمجتمعات ذات القيم الدينة والأخلاقية تكون في الغالب أقل فسادا من المجتمعات الأخرى التي تخمرت وتجذرت فيها القيم المناقضة للدين والأخلاق, فقوة الوازع الديني تحد من انشار الفساد عموما، وذلك لما يشكله الدين من رقيب ذاتي على الإنسان، وكلما نقص تدخلت عوامل ذاتية أيضا لتوجيهه نحو الفساد والإفساد وعندئذ يختم على قواه العقلية وتسيطر عليه النفس الأمارة بالسوء (ختم الله علي قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم)
ب ــ نقص الوازع المهني والإداري
يظهر هذا السب بين كبار الموظفين نظرا لعدم التزامهم بأخلاقيات المهنية الإدارية، وينتج عن ذلك ممارسات فاسدة، ويترسخ الفساد الإداري بسبب غياب مؤسسات الرقابة المهنية وأساليب التقييم الحر.
ثالثا: مظاهر الفساد الإداري
(أ) : استغلال المناصب كمظهر من مظاهر الفساد الإداري
يكثر الطلب والسعي وراء المناصب والترقيات لا من أجل خدمة الوطن والمواطن، وإنما من أجل كسب المناصب واستغلالها من طرف المدراء والموظفين الذين يضعون مصالحهم الخاصة فوق المصالح العامة، متجاوزين بذلك الأيمان القانونية والقيم والأعراف التي تعهدوا بعدم مخالفتها واحترامها، وقد حزت في مفصل هذا الموضوع المادة 23 من المدونة الأخلاقية التي تقول ” علي وكيل الدولة إنجاز مهامه في احترام للدستور والاتفاقيات والعقود والمواثيق الدولية وكذلك القوانين والنظم السارية…”, ويعد استغلال المناصب لحاجة في نفس الموظف انحراف وانتهاك للقوانين والنظم المعمول بها
وهو من أخطر الجرائم التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على التنمية وعلى تقدم البلد بصورة عامة، لكون هذه الظاهرة مبنية على ميزان مختل قوامه فقدان الثقة من طرف المواطن في دولته وإدارته، إذ يوحي إليه هذا التصرف أن الموظف لا يعمل بمقتضي توليته علي المرافق العمومية و إنما يعمل لصالح نفسه , وهذه التصرفات من شأنها أن تجعل المواطن ينتقص من هبة الدولة واحترامها إذ يوجه إليها الشتائم ويزدري بها وبقوانينها ,
وهذا يخالف مقتضيات المادة 7 من الفصل الثاني من القسم الأول الخاص بواجبات الموظف العمومي من القانون المتضمن للنظام الأساسي للموظفين ووكلاء الدولة ” ..يلزم الموظف العمومي خلال ممارسته وظائفه وكذا في حياته الخاصة بتحاشي أي تصرف من شأنه المساس بهبة الدولة , ويلزم في كل الظروف باحترام سلطة الدولة وفرض احترامها عند الاقتضاء” , ويشكل الوقوف أمام هذا السلوك الإداري المنحرف ضمانة هامه لحماية الدولة وتوجيه مواردها و أجهزتها بشكل صحيح.
(ب): صعوبة الولوج إلى رؤساء المرافق العمومية كمظهر من مظاهر الفساد الإداري
يشكو الكثير من المواطنين من هذه الظاهرة السلبية، فبطء الإجراءات الإدارية ووضع العراقيل أمامها واحتجاب المسؤولين الكبار عن المواطنين هو ما تولدت عنه ظاهرة استغلال النفوذ، وعند ها يصبح العمل الإداري ومصالح المواطنين رهنا لمن يمتلك النفوذ، وهذه أمور جعلت من المواطن العدو الأول للإدارة حتى ولو حصل في النهاية على مبتغاه، وبدلا من أن يكون المواطن البسيط قد حصل على حقه الطبيعي، تصبح الخدمة المقدمة إليه من طرف المرفق العام كأنها بمثابة امتياز غير مستحق.
هذه العلاقة السيئة بين الإدارة والمواطن تمخضت عنها نتائج سلبية، حيث أصبح المواطن يتحلل من الالتزامات القانونية المفروضة عليه بموجب القانون، بل أصبح يجيز لنفسه التحايل على السلطة ويتهرب ضريبيا ويتحرر من واجباته اتجاه القانون ويلجأ أحيانا مع الإدارة إلى الحلول المؤقتة ومنطقه في ذلك كيف يكون الركون للقانون الذي لم يعد يحميه؟
وقد حثت المادة 20 من المدونة الأخلاقية على تسريع وتيرة الخدمات المرفقية سدا لهذه الذريعة فألزمت الموظف بتنفيذ العمل الموكول إليه بأقصى ما يمكن من العناية والإتقان، بل ألزمته بمعالجة الملفات المحالة إليه في آجل معقولة مع إعطاء الأولية لتلك التي تمس من حياة الجمهور بشكل مباشر.
(ج): محسوبية التوظيف في الوظائف الإدارية كمظهر من مظاهر الفساد الإداري
تعاني الإدارة من تبعات التوظيف غير المستحق، فيدخل الإدارة بعض الأشخاص المعينين في الوظائف العامة على أساس القرابة والزبونية لا على أساس الكفاءة والمساوة في الفرص، وهي أمور تضعف الجهاز الإداري وتعمق من ظاهرة الفساد حيث تغيب المعاير الموضوعية لاختيار الموظفين ويصبح التوظيف هينا أمام التدخلات والتلاعب بأجهزة الدولة ومرافقها، فالتوظيف خاضع لمبدأ المساواة والشروط العامة التي يفرضها قانون الوظيفة العمومية، وتهدف تلك الشروط في مجملها إلى ضمان قدرة وكفاءة من يتولون تسير المرافق العمومية, فكل توظيف لا يتم عن طريق مسابقة شفافة ونزيهة ومؤسسة علي معايير علمية وموضوعية , سينعكس سلبا علي أداء المرفق العمومي وسيصبح عرضة للطعن من قبل رواده من المواطنين والمراجعين له , فالانسجام مع مقتضيات المادتين 51 52 من القانون المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين هو ما يضمن جدوائية الإدارة ومردوديتها اتجاه الوطن والمواطن, فالمسابقات هي الطريقة القانونية العادية لاكتتاب الموظفين, ويستوي في ذلك الإكتاب الداخلي والاكتتاب الخارجي .
(د): عدم احترام أو قات الدوام كمظهر من مظاهر الفساد الإداري
عدم احترام أوقات الدوام من الأمراض التي تنخر جسم الإدارة، الأمر الذي يجعل مصالح المواطن عرضة للضياع والاستهتار، فغالبا ما يضيع وقت المراجعين للمرافق العمومية بين بداية الدوام ونهايته، وبالرغم من ذلك لا بد من ملاحظة أن الكثير من الموظفين يلجؤون إلى هذا الأسلوب المنحرف، بسبب ما يواجههم من الضغط الذي لا سبيل إلى مواجهته إما ضعفا و إما تهربا واستهتارا بحقوق المواطن , وفي الحالتين لا مبرر للتأخر عن الوقت ولا للتعجل عن الوقت , ومهما كان العذر فإن الموظف العمومي ملزم بالتقيد بأوقات الدوام التي أقسم علي احترامها فعدم الالتزام بأوقات الدوام ينتج عنه التأخير في معالجة الملفات ومن ثم يتكدس العمل ويصبح من الصعب إنجازه وفق الآلية المعهودة له.
رابعا: التوصيات والمقترحات
خروجا من مأزق مظاهر الفساد الإداري، وضمانا لجدية الإدارة ومحاربة ما يعتريها من فساد، نقترح مجموعة من التوصيات المهمة للرفع من مستواها ومساهمة في تخليقها، ويمكن إجمال هذه المقترحات التالية:
أ ــ الاعتماد على الحول الشرعية الإسلامية
يمكن لاعتماد على الإستراتيجية الشرعية في مكافحة الفساد الإداري والمفسدين، فقد كان من أوليات الإسلام محاربة الفساد بكافة صوره وملاحقة المفسدين مهما كانت مكانتهم وصفاتهم، فالله سبحانه وتعالي لا يحب الفساد ولا يصلح عمل المفسدين، ولهذا أقرت الشريعة الإسلامية التعزير كعوبة جيدة ، وتظهر أهميته في كون الجرائم المتعلقة به لم توضع لها عقوبة محددة على غرار جرائم الحدود والقصاص، وإنما العقاب فيها خاضعا لتقدير القاضي، ينظر فيه حسب جسامة الفعل وخطورته ومن هنا تظهر عزت الشريعة الإسلامية ومتانة أحكامها. لذا فإنه من المهم استلهام الحول المتعلقة بمحاربة الفساد الإداري من مقتضيات الشريعة الإسلامية، ويمكن الاعتماد في هذه النقطة علي فقهاء الشرع الحنيف، فهم أهم من يفيد في الموضوع، وهم أجدر بوضع النظريات المستنبطة من شريعة الإسلام
ب ــ اعتماد استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد الإداري
يكون من ملامح هذه الإستراتيجية معرفة الأسباب الكامنة وراء فساد الإدارة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الدراسة المعمقة لكل الاختلالات الإدارية والتي من ضمنها الحالة التكونية والسير الذاتية للموظفين، فكفاءة الموظف شرط أساسي في عطائه، وكذلك معرفة النظم القانونية التي تضبط سير المرفق العام، فذلك من أهم العوامل المساعدة على عملية التقويم مع التركيز على الأخذ بالتجربة الإدارية المحلية وعدم إهمال التجارب الدولية الخاصة بمحاربة الفساد الإداري،
ويمكن أن تنبثق عن هذه الإستراتيجية لجان فرعية داخل كل قطاع من القطعات العامة، وتتبع للجنة وطنية عامة، يرأسها رئيس الجمهورية أو الوزير الأول، ويكون أيضا من مشمولات الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد أن تطلق الحملات الوطنية ويرأسها العلماء والأئمة والصحافة ورؤساء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل سلاطين الكلام والأقلام.
ب ــ اعتماد مبدأ المحاسبة والمكافئة لمحاربة الفساد الإداري
لا شك أن التوازن في الأخذ بمبدأ المكافئة والمحاسبة من أهم المبادئ التي يمكن الاعتماد عليها سبيلا إلى القضاء على ظاهرة الفساد الإداري، فالتحفيزات المعنوية والمادية تؤثر بشكل مباشر على سير الموظف في إطار تأديته لواجبه الوظيفي، لذلك من المهم جدا أن يشعر الموظف ويشعر بقيمة منجزه الوظيفي، ويجب ألا يقل الجانب المعنوي من التحفيز عن الجانب المادي. كما يجب أن تكون المحاسبة قائمة وحاضرة عند ما ينحرف الموظف، فرجوعه إلى جادة صوابه وتخلقه بمسلك الموظف النزيه مرهون بمحاسبته وتسليط العقوبة عليه، وتكون المكافئة والمحاسبة من خلال تفعيل الرقابة الإدارية، فبدونها لا يمكن أن يتحقق هذا المبدأ ويكون من الصعب اكتشاف حالات الفساد الإداري أو النجاح الإداري.
ج ــ الاعتماد على التكوين المستمر في المدرسة الوطنية للإدارة لمحاربة الفساد الإداري
من المهم جدا جعل التكوين المستمر للموظفين من الأسس المهمة لمحاربة الفساد الإداري، ويجب في إطار ذلك أن تدخل مناهج علمية حديثة في برامج المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء لتطوير وتدعيم مؤهلات الموظفين، فلا يبقي عهد الموظف بالمدرسة ساعة الخروج منها، بل يجب أن يعود إليها باستمرار ليكتسب المعلومات ويتلقى التجارب، وتجدر الملاحظة هنا إلي أنه في إطار التركيز علي المناهج العلمية للمدرسة يستحسن أن تصاغ البرامج علي أساس الاحتياجات التكوينية للموظف وللمرفق الذي من المفترض أن يشغله , إضافة إلي تنمية الوازع الديني وعدم إهمال علم النفس الإداري في هذه الجوانب التكوينية , فبعض الموظفين ــ حتي لا أعمم ــ لديه اختلالات وظيفية لا تعود إلي سير المرفق وما يضبطه من النظم القانونية و إنما لنقص في الوازع الديني ولما ينقصه كذلك من معرفة المهارات الإدارية التي من بينها التحلي بسلوك رجل الإدارة المميز , وخير من يعتمد عليه في هذه المهمة ,هم الرعيل الأول من أصحاب الطيبة والسريرة الإدارية .
د ـــ الاعتماد على الصحافة الاستقصائية في محاربة الفساد الإداري
وظيفة الرقابة الإدارية من الوظائف التي يجب أن تشرك فيها سلطه الإعلام، فلا خلاف في الدور الذي يؤديه الإعلام ولا سيما ا دور الصحافة في مكافحة الفساد بصورة عامة، إلا أن الصحافة الاستقصائية بحكم التخصص والمباشرة يمكن أن يكون الاعتماد عليها في محاربة الفساد الإداري أفضل من غيرها،
ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن دور الصحافة الاستقصائية مهم في حماية المواطن من تغول الإدارة كما أنه مهم أيضا في الكشف عن أصحاب التميز من الإداريين, ليتسنى للدولة بعد ذلك تشجيعهم وتثمين جهودهم , ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار علي أن الصحافة الاستقصائية في هذا الدور , يجب أن تتكون علي مختلف المهارات الإدارية وتتمكن من المعلومات اللازمة لذلك , وقد يكون من المناسب في هذا الصدد الاعتماد علي المدرسة الوطنية للإدارة باعتبارها إلي جانب أنها مدرسة للإدارة فهي مدرسة أيضا للصحافة , ولكن يلزم أن يكون المنهج الدراسي المتعلق بالصحافة هو الإعلام الإداري فقط .
هــ ـــ تعزيز الترسانة القانونية الخاصة بمكافحة الفساد الإداري
من أهم الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإداري هو تعزيز المظلومة القانونية الرادعة للفساد الإداري، ورغم أن بلادنا تحظي بمنظومة قانونية لا بأس بها في مجال محاربة الفساد والمفسدين، إلا أنني أري أن تعزز هذه المنظومة بقدر من التعديلات القانونية الرامية إلى مواكبة مختلف تطورات الفساد الإداري، ويمكن أن تفرد جرائم الفساد الإداري يقانون خاص يكون واضح الصياغة يراعي الطبيعة الخاصة بهذه الآفة.
الكتابة عن الفساد والفساد الإداري تتواصل…