تقترب الانتخابات الرئاسية في موريتانيا من أهم محطاتها وهي طرح ملفات المرشحين, إلا أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تواصل الذي يعتبر أهم حزب معارض ورأس مؤسسة المعارضة الديمقراطية دستوريا لم يتضح بعد موقفه من العملية الانتخابية, رغم تشكيله لجنة لهذا الغرض من قادته, ولقاء رئيسه بأغلب المترشحين للرئاسة والحديث معهم حول الدعم والمساندة.
تم نقاش كل الخيارات المتاحة من طرف اللجنة وتقديم ورقتين على الأقل حولها ونقاشهما وتوسيع النقاش إلى عدد من قادة الحزب وهيآته ومناضليه.
اللجنة بسطت الخيارات للنقاش, واستفاضت في تقديم كل الخيارات والدفاع عنها من طرف أصحابها, ثم استبعدت خيار المقاطعة المُشفع بحجة عدم التعاطي الإيجابي للنظام مع دعاوى التزوير- التي وصلت حدّ المطالبة بإعادة الانتخابات – لعدم وصول الحالة السياسية إلى تلك النقطة, وعدم مطالبة أي جهة سياسية بذلك تصريحا أو تلميحا, كما أصبح الترشيح من داخل الحزب شبه مستبعد, لعدم وجود شخصية سياسية لها القدرة على جذب الناخبين وتتمتع بالحضور في الساحة, لتكون رافعة للحزب جالبة له بعض المناصرين من خارج دائرته, ولعل المسكوت عنه هو الجانب المالي في هذا الخيار حيث تمويل الحملة المكلف, وخاصة في ظل أوضاع غزة وما تَكلّفه الحزب ومناضلوه في التبرع لها, وفى جمع التبرعات حتى اليوم, والقناعة لدى الكثير من مناضلى الحزب أن دعم غزة اليوم أولى من أي عمل آخر مهما كان, وخاصة السباق نحو الرئاسة المحسوم سلفا.
الحزب استصحب خيارين – على الأقل – هما الحياد, ودعم مرشح معارض, رغم التباين الكبير بين عدد المناصرين المقتنعين بكل منهما, حيث يرى دعاة الحياد أنه في ظل الوضع الحالي وعدم المنافسة الجدّية من طرف أي كان لمرشح النظام منافسة على المنصب وليس منافسة المترشحين على الترتيب فقط, وفى ظل الكلفة المالية الكبيرة, فإن موقف الحياد يظل الأسلم والأكثر وجاهة ومنطقية, إلا أن المعارضين لهذا الموقف – وهم كثر- يرون فيه عزوفا وربما تخل عن الشأن السياسي, وفوق ذلك دعما مباشرا للنظام ومرشحه, قائلين إن حزبا قائدا لمؤسسة المعارضة عندما تتوفر أمامه عدة خيارات كلها من المعارضة المشترِكة معه في السياسة والمواقف, ثم يتخذ موقف الحياد فهذا يعنى أنه قرر دعم النظام بشكل واضح.
الخيار الآخر الذي يتردد بقوة داخل الحزب هو دعم أحد المرشحين المعارضين, وهو خيار له كثير من الداعمين في الحزب والمنافحين عنه المؤمنين به, ويعتبرونه المتاح اليوم بل الأفضل, إلا أن من سيدعمهم الحزب ظلوا محل خلاف تتعاوره عدة عوامل منها الخلافات في الطرح والمواقف والجدية في المعارضة.
ومع النقاش في الأشخاص تراجع عدد مستحقي الدعم بشكل كبير ليكون أهم حاضرين فيه هما المرشحان العيد ولد محمدن وأوتوما سوماري, حيث يرى البعض أن المحامي والنائب العيد خيار مناسب, له حضور في السياسة والحقوق ويحمل خطابا معارضا قويا, وربما يجد دعما من بعض رجال الأعمال, بينما يرى آخرون أن أخصائي جراحة الأعصاب ونائب رئيس حزب الطلائع سوماري, سياسي قديم ومناضل معروف وله علاقات واسعة وحاضنة اجتماعية متماسكة في الغالب, ولن يعدم داعمين ماليين وأطرا وجماعات تساند وتؤيد.
وحسب ما يرشح من معلومات – في ظل تكتم شديد للحزب وعدم تصريح قادته حول الموضوع – ونظرا لضيق الوقت وعدم حسم الموقف من أهم استحقاق انتخابي محدد الوقت والتاريخ, – وهي وضعية تعتبر سابقة في تاريخ أهم حزب معارض – فإن التأخر في اتخاذ القرار وعدم الجاهزية للترشيح داخليا, ربما فتحا الباب لنقاش أمور لم يكن لها حضور في أجندة الحزب مثل خيار “الحياد” رغم وفرة المعارضين المترشحين.
ويطرح البعض من داخل الحزب تحديا آخر يتمثل في التزام القاعدة الناخبة للحزب بقراره دعم مرشح معارض, وخاصة من بين الأسماء المطروحة, لأن الغالب عدم التفاعل بجد مع دعم منافس لا تتوفر الكثير من وسائل المنافسة لديه, في وجه مرشح قوي تشير كل التوقعات إلى فوزه من الجولة الأولى, كما أن الحياد يمثل تشتيتا لمواقف الحزب وذهاب بعض مناضليه وربما قادته إلى دعم مرشح النظام, والتي – إن حدثت – ستكون سابقة في البلد ولغزا سياسيا صعبا, حين يترك حزب المعارضة الرئيسي كل مرشحي المعارضة ويفتح الباب لمن يريد دعم النظام الذي يعارضه.