آراء

ما أحوجنا لإعادة النظر في دور النائب

بقلم: محمد الأمين الفاضل

السلطة الموازية- من الملاحظ أن هناك فهما خاطئا لدور النائب، سواء كان ذلك النائب مواليا أو معارضا، وهذا الفهم الخاطئ هو ما جعل البرلمان الموريتانييبقى ضعيف الأداء خلال كل العقود الماضية

يعتقدُ الكثير من نواب المعارضة أن دورهم يقتصر فقط على النقد القاسي للحكومة، وقد أصبح الكثير من نواب المعارضة يعتقد أن نقدالحكومة هو هدف في حد ذاته، وليس مجرد وسيلة لإحداث تغيير ما في مجال ما من مجالات الشأن العام

فنحن اليوم عندما نسأل نائبا من نواب المعارضة قضى مأمورية كاملة أو مأموريتين في البرلمان عن حصيلته التي حقق لصالح المواطن، فإنجوابه سيأتي مخيبا للآمال، ولن يتجاوز في أحسن الأحوال تقديم حصيلة كبيرة من المداخلات التي انتقد فيها الحكومة بأقسى العبارات.
صحيحٌ أن المواطن قد يرتاح نفسيا عند يسمع نقدا قاسيا يوجه لوزير ما قصَّر في حق ذلك المواطن، وصحيحٌ أن ذلك النقد سيجعل المواطنيشعر براحة وهمية عابرة، ولكن الصحيح أيضا أن ذلك النقد القاسي لم يغير من واقع المواطن، نحو الأفضل، حتى ولو كان مجرد تغييربسيط جدا

لو كان نقد الحكومة بأقسى العبارات يكفي لوحده لإحداث تغيير إيجابي، لتغير حال هذه البلاد نحو الأفضل، فنواب المعارضة لم يقصروافي أي يوم من الأيام في نقد الأنظمة المتعاقبة وبقسوة، منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ومع ذلك فهم في المحصلة النهائيةلم يحققوا نتائج على الأرض يمكن أن يقدموها للمواطن.
فإذا كان النائب المعارض يعتقد أن دوره يقتصر فقط على نقد الحكومة وجلدها بأقسى العبارات، فهو في هذه الحالة لم يكن بحاجة لأنيترشح أصلا للبرلمان، فمثل هذا الدور يمكن أن يؤديه ـ وعلى أحسن وجه ـ من خلال مقالات ومنشورات في الفيسبوك أو صوتيات علىالواتساب

والحقيقة أن أداء المدونين المعارضين، وقدرتهم على إحداث تغيير ما، كانت خلال السنوات الماضية أفضل بكثير من قدرة نواب المعارضة علىإحداث تغيير، مع العلم أن أولئك النواب ـ عكس المدونين ـ يتلقون رواتب كبيرة من أموال الشعب الموريتاني.
هذا عن نواب المعارضة، فماذا عن نواب الأغلبية؟
إن الانحراف في فهم دور النائب هو أكثر وضوحا وأشد خطورة عند بعض نواب الأغلبية، فبعض نواب الأغلبية يعتقد
1
ـ أن الناخب الذي صوت له، قد صوت له فقط للدفاع عن الحكومة في البرلمان، وليس من أجل طرح مشاكل المواطن على الحكومة والبحثعن حلول لها؛
2
ـ هناك من نواب الأغلبية من يعتقد بأن دوره كنائب منتخب يقتصر فقط على تحقيق مصالحه الخاصة الضيقة، ولذا فهو عندما يلتقيبوزير في الحكومة لا يطرح عليه مشاكل المواطن، وإنما يستغل تلك الفرصة لطرح مشاكله الشخصية، ولتحقيق المزيد من الامتيازاتوالمكاسب الشخصية على حساب الناخب؛
3
ـ هناك طائفة أخرى من نواب الأغلبية تعتقد أن الناخب قد صوت لها مقابل بقائها على الصامت لخمس سنوات كاملة، ولذا فقد تجد نائبافي الأغلبية أكمل مأمورية من خمس سنوات، ولم يسمع له الناخب مداخلة واحدة في البرلمان؛
يعتقد بعض نواب الأغلبية أنه إذا سكت الواحد منهم عن النواقص في العمل الحكومي، أن سكوته ذلك سيمكن من حجب تلك النواقص عنالمواطن. لا أظنني بحاجة لأن أقول بأن هذا الاعتقاد خاطئ، فسكوت النائب الموالي عن النواقص في العمل الحكومي لن يؤدي إلى حجبتلك النواقص عن المواطن، وإنما سيعطي فقط فرصة ثمينة للنائب المعارض أن يتحدث عن تلك النواقص، وبأسلوب قاس جدا، وربما مبالغفيه، وبطبيعة الحال فإن مداخلة ذلك النائب ستبث في قناة البرلمانية، وسيسمعها المواطن أينما كان، وسيعزز ذلك في نهاية المطاف منمصداقية النائب المعارض لدى المواطن، وسيكون ذلك بطبيعة الحال على حساب مصداقية النائب الموالي الصامت

لو كان سكوت النائب الموالي عما يقع من تقصير وخلل في العمل الحكومي، سيحجب ذلك الخلل عن المواطن، لكان صمتُ النائب الموالي فيهذه الحالة من ذهب، ولكن، وما دام ذلك التقصير سيصل إلى مسامع المواطن أينما كان، وبأسلوب في منتهى القسوة من خلال نوابالمعارضة وعن طريق قناة البرلمانية، ففي هذه الحالة فإن كلام النائب الموالي عن تلك النواقص ـ لا صمته عنها ـ هو الذي سيكون من ذهب.
في اعتقادي الشخصي ـ وهذا ما سأعمل عليه إن فزت بمقعد في البرلمان ـ أن النائب القادم من أحزاب الأغلبية أولى من النائب المعارضبالحديث عن مشاكل المواطن، والسعي لإيجاد حلول لتلك المشاكل من خلال القنوات المتاحة له بصفته نائبا داعما للرئيس ومحسوبا علىأغلبيته، فالداعم الحقيقي للرئيس، المخلص والصادق في دعمه، هو ذلك الداعم الذي يمتلك القدرة على تسويق المنجز بأسلوب مقنع، ويمتلككذلك الشجاعة للكشف عن كل ما يقع من خلل وتقصيرفي العمل الحكومي، والسعي من داخل النظام لتصحيح ما يقع من خلل.
إن النائب الموالي الذي يفهم دوره بشكل صحيح، سيكون هو الأكثر قدرة على خدمة المواطن، وذلك من خلال طرحه لمشاكل المواطن بأسلوب لاقسوة فيه ولا مزايدة، يفيد المواطن، ويخدم النظام، ويؤدي في المحصلة النهائية إلى إحداث تغيير ميداني ملموس في واقع المواطن نحوالأفضل

حفظ الله موريتانيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى