آراء

فلسفة غزواني: كسر منحنى الطبقية

محمد افو

في فيلم “تايتانيك”  الشهير جسد الكاتب والمخرج  ” جيمس كاميرون ” حياة المجتمع الأوروبي تجسيدا دراميا بديعا .
حيث استغل قصة السفينة ذائعة الصيت لتصميم رؤيته الاجتماعية الدرامية .
في الطوابق السفلية من السفينة حيث الشقاء والعفن والعمل المضني بين مواقد الفحم ولهيب وأدخنة النيران ، في مقابل الطوابق العلوية الفخمة والمعدة بدقة لرفاهية النخبة الاجتماعية .
في الأسفل يعمل الجميع من أجل راحة من في الأعلى .
في الأعلى لا احد يهتم بمن في الأسفل .
في الأسفل ينعدم النظام الاجتماعي لدرجة قاتلة وفي الاعلى يتفافم لدرجة لدرجة قاتلة .
النخبة في الاعلى حبيسة بروتوكولات واعراف دقيقة وفي الأسفل لا قوانين ولا أعراف .
يحاول المؤلف (المخرج) أن يبتكر حالة تواصل فريدة ونادرة بين المجتمعين من خلال قصة حب بين البطلين .
يحتاج البطل للكثير من التنميق والتجهيز والإعداد كي يدخل نطاق الأرستقراطية ( حفل عشاء فاخر ) ، بينما تحتاج البطلة لتصنع الكثير من اللامبالاة والتخلي الكامل عن الانضباط كي تسعد بحفلة فوضوية مع العمال في الأسفل .
وفي النهاية يرفض مجتمع النخبة التفاعل مع مجتمع الفقر وينعزل الفقراء حيث يلزم العمل على سير السفينة وبقائها عائمة .
ويكتفي مجتمع النخبة بكامل مبررات غروره  كالقدرة على تصميم السفينة وقيادتها واليقين المطلق بأنها لن تغرق.
لكن جبل الجليد الذي يضرب أسفل السفينة ( حيث الفقر والفوضى )  يستطبع إغراقها وبكل من عليها  .
غرقت سفينة تايتانيك ومات الفقراء و الأغنياء ، وانتهت المأساة بقوارب نجاة تبحث عن أي أحياء دون تمييز .

هكذا جسد الكاتب والمخرج الأمريكي البارع دراما الغرق ، وصور شقاء الرخاء ورخاء الشقاء من منظور ثفافي بحت .
في لحطات الغرق لم يكن الثراء قادرا على شراء فرصة للنجاة وتحققت المساواة في كل من الموت والإنقاذ لأن البقاء يحتاج لمساواة في فرص النجاة .

لنعد من رحلة التايتانيك إلى واقعنا ..
لقد عانت بلادنا من رهق اجتماعي تمتد جذوره في الحيزين الاجتماعي والثقافي ، وهو رهق الطبقية  وما نتج عنه من ارباك للعدالة الاجتماعية بعيد ظهور الدولة الوطنية .
إته إشكال عميق ومشحون بالحساسية التاريخية ، فقد ظلت فئات عريضة من المجتمع الموريتاني تعاني من ويلات الحرمان وعدم القدرة على اقتناص نصيبها من الفرص ، واصبح مشهد الشقاء متميزا بألوانها وسحناتها لدرجة لا يمكن التغاضي عنها .
ولم تتفرغ الدولة الموريتانية يوما من اعباء الحكم (تأمينة – الاستيلاء عليه ) حتى تضع مشروعا اجتماعيا ناضجا لمعالجة هذا الاختلال الكبير والخطير في ذات الوقت .
لقد كانت النخبة تبرع في التنصل من مسؤولية هذا الأشكال ، و ساعدتهم في هذا التنصل انواع من التحججات المنطقية الشكل وامتصوا اعراضه بجملة من المسكنات اللحظية والإجراءات الشكلية دون التأسيس لمشروع وطني استراتيجي من شأنه أن يعالج الأوضاع المترتبة على المماطلة السياسية النخبوية لهذا الإصلاح .
لقد انطلقت رؤية الرئيس غزواني من بعدين ( أمني واجتماعي ) ومالم ننطلق من المعيارين الامني والاجتماعي فلن نستطيع تقييم ماتم إنجازه في عهده ولا تقييم بدائله المفترضة مقارنه به .
لقد كان الشارع الموريتاني في قمة الجاهزية لانفجار بات وشيكا وفق مؤشرات متعددة متضافرة  وكانت السفينة تقترب من جبل الجليد ، بينما كانت التخبة غارقة في أعباء التخمة المالية والفكرية .

حتى الانقلاب على ولد الطايع لم يكن باستطاعة المواطن الموريتاني  تقدير إمكانيات الدولة ولا يمتلك تصورا واضحا عن قدراتها وما تستطيع وما لا تستطيع ، لذلك لم يكن سقف مطالبه عاليا بما يتناسب وإمكانيات اقتصاده الوطني الغائب عن علمه وتقديره .
لكن الفترة الانتقالية نجحت في صقل المشهد بشكل كاف ، حيث اكتشفنا قدرة الدولة على زيادة الرواتب وخلق حركية اقتصادية مريحة وتقلص الكثير من مظاهر التغول الرسمي الغامض .
وفي تلك اللحظة من تاريخ وعينا ، تمت إعادة النظر في سقف المطالب والحقوق ، دون وعي كاف أو قراءة وافية من قبل النخبة السياسية .
فقد انشغلت هذه النخبة في تحليل الوضع السياسي والتنموي ،ولم تناقش المؤشرات الاجتماعية الناتجة عن الأحداث المتلاحقة .
وهو ما ظهر جليا حين توجهت الدولة للبناء والتشييد دون اعتبار لمطالب المحرومين من أولويات البقاء ( لا يستطيع العامة تقييم العائد الاقتصادي من المطارات والطرق في لحظة الحاجة للطعام والدواء ).
لقد تشكل ضغط اجتماعي هائل نتيجة القمم والوفود وقصور الموتمرات والمطارات والطرق ، في وقت يعتبر حاسما وحساسا بالنسبة لفئات كانت تنتظر من ثروتها الوطنية دعما اجتماعيا مباشرا وسريعا هي في أمس الحاجة إليه .

واعتقد أن الإجراءات التي أطلقها الرئيس غزواني منذو 201‪9   قد شكلت طوق النجاة وحالت دون اصطدامنا بجبل الجليد الذي لم يكن ظاهرا لغالبية نخبنا السياسية .

لقد كدنا نغرق ،،
وبالنسبة لقاموس الأدوار العلوية فلا توجد إنجازات “ملموسة ” للرئيس .
أما بالنسبة لسكان الأدوار السفلية من سفينة الوطن ، وحده الرئيس غزواني من أنجز إنجازات ” ملموسة ” ..
والخلاف هنا ليس في اللغة وإنما في وجهة ” الملموس ” و طوابق المستفيدين .

وحده الربان من يتحمل مسؤولية نجاة الجميع .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى