آراء

حكومة ولد أجاي.. بين وعود الإصلاح وإرث الفساد

الباحث الأكاديمي بجامعة تونس المنار : عبدالرحمن سيدي ول محمد

على وقع التّحديات الكبرى التي تواجه موريتانيا قَدّم رئيس الحكومة المختار ولد أجاي أمام البرلمان خطابا مليئا بالشعارات الطموحة، نذكر منها محاربة الفساد، إصلاح بنية الدولة، وتطوير الكفاءات الوطنية.
لكن ما يجعل هذا الخطاب محط تساؤل هو ارتباط الوزير الأول بمرحلة سياسية سابقة، شغل فيها منصب وزير المالية خلال عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي يُحاكم اليوم بتهم فساد كبرى.

وفق تقارير “Transparency International، لا تزال تصنف موريتانيا ضمن الدول الأكثر تضررًا من الفساد، وهو ما يُظهر فجوة كبيرة بين الوعود والسياسات الفعلية،أما تشخيص الوزير الأول المختار ولد أجاي للتحديات التي تواجه موريتانيا يعكس فهمًا عميقًا للمشكلات، لكن الفهم وحده لا يكفي لإحداث التغيير،فالخلل البنيوي الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، من ضعف في الادارة إلى غياب الكفاءة، يجعل من الصعب تنفيذ الاصلاحات الموعودة.

في كتابه The Limits of Institutional Reform in Development، يشير
‏ (Andrews (2013
إلى أن إصلاح المؤسسات يتطلب أوّلًا تغييرًا جذريًا في العقليات والأدوات الإدارية،أما في الحالة الموريتانية، فإن الاصلاح يواجه عراقيل عدة، أبرزها الجمود السياسي والاعتماد على نخب سياسية تدور في نفس الحلقة المغلقة،في وقت لا زال المواطن الموريتاني البسيط يعاني من نقص المياه والكهرباء ورداءة الخدمات الصحية والتعليمية، ولا أدل على ذلك أزمة العطش التي يعاني منها سكان الداخل في فصل الصيف مما ينعكس سلبا على جودة الحياة.

إن الاصلاح الحقيقي لا يتحقق عبر الشعارات، بل عبر سياسات عملية تضع الانسان البسيط في قلب الاهتمام،لكن استمرار نفس الوجوه السياسية وتكرار نفس الأنماط الإدارية يجعل هذه الاصلاحات أقرب إلى الاستهلاك الاعلامي منها إلى الواقع.

رغم كل هذه التحديات، تظل حكومة ولد أجاي أمام فرصة حقيقية لإثبات جديتها، شريطة أن تتحلى بالارادة السياسية وتكسر حلقة الفساد البنيوي، المطلوب الآن ليس فقط رفع الشعارات، بل اتخاذ قرارات حازمة لمحاسبة المتورطين في الفساد، بغض النظر عن مواقعهم أو ارتباطاتهم.

كما أن الاستثمار في التعليم والتكوين المهني، وتطوير الإدارة العامة، يمثل ضرورة لا غنى عنها،وذلك لبناء مؤسسات قوية وفعالة ،وهو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه أي عملية تنموية ناجحة.

إن الرهان اليوم ليس فقط على محاربة الفساد أو تحسين الادارة، بل على إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة إذ أن نجاح الحكومة سيُقاس على مدى انعكاس إصلاحاتها على حياة المواطن البسيط، الذي لم يعد يحتمل المزيد من الوعود الفارغة.

فهل تكون حكومة ولد أجاي هي نقطة التحول في تاريخ موريتانيا، أم أنها ستنضمّ إلى قائمة الحكومات التي رفعت شعارات كثيرة ولم تترك أثرًا يُذكر…!،الإجابة بيد الزمن، لكنها أيضًا بيد الارادة الحقيقية للتغيير اذ لا إصلاح دون مصلحين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى