رئاسة غزواني للاتحاد الإفريقي ليست مجرد منصب شرفي لموريتانيا
الشيخ سيد محمد محمد المهدي بوجرانه

بعيدا عن المبالغة والانحياز، وأخذا بمبادئ التحليل، وتفكيكا للنقاط المطروحة من قبل المدون المغترب الداه يعقوب بهدوء ومنطقية، يجب أن نؤكد أنه من الضروري التذكير بأن الحكم على أداء أي قائد أو نظام يحتاج إلى نظرة شاملة تأخذ بعين الاعتبار التحديات التي يواجهها والإنجازات التي حققها، وليس الاكتفاء بذكر النقاط السلبية بمعزل عن السياق.
إن رئاسة الاتحاد الإفريقي ليست مجرد منصب شرفي، بل تتطلب التعامل مع أزمات معقدة على مستوى القارة؛ وبينما يمكن أن يكون هناك مجال لتحسين الأداء، فإن تحميل الرئيس محمد ولد الغزواني مسؤولية كل أزمات القارة يعد مبالغة؛ القارة الإفريقية مليئة بالتحديات المزمنة كالنزاعات المسلحة، والاضطرابات السياسية، والمشكلات الاقتصادية، وهذه ليست نتيجة عام واحد من الرئاسة، بل هي انعكاس لأزمات طويلة الأمد.
كما أن محاولات الوساطة في ليبيا ليست سهلة، إذ تعاني الأطراف الليبية من انقسامات عميقة وتدخلات خارجية؛ حتى الأمم المتحدة تواجه صعوبات كبيرة في هذا الملف؛ الحكم على الوساطة بناءً على واقعة واحدة يعتبر تجزيئاً للصورة العامة، علماً أن محاولات الوساطة تبنى على الجهود المتراكمة وليست لحظية.
وفيما يخص قضايا الساحل، يجب الاعتراف أنها تمثل تحدياً معقداً يشارك فيه أطراف دوليون وإقليميون؛ صحيح أن هناك توقعات بأن تلعب موريتانيا دوراً أكبر، ولكن من المهم الإشارة إلى أن أي دور في منطقة تعاني من الإرهاب والتدخلات الخارجية يحتاج إلى جهود مشتركة وتنسيق واسع، وليس مسؤولية دولة واحدة أو رئيس واحد.
إن خطاب الرئيس غزواني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قد واجه انتقادا وحيدا صدر من “أخينا” هذا، لكن ذلك لا يعني أن التمثيل كان بلا قيمة، فبقدر قيمة الشخص يتحدد وزن نقده، وحضور مثل هذه المناسبات يهدف إلى تأكيد وجود الدولة والمساهمة في النقاشات العالمية، وليس بالضرورة تقديم مبادرات كبرى في كل مرة.
ولا مراء أن الادعاء بأن الرئيس يعتمد على كفاءات غير مؤهلة يحتاج إلى أدلة ملموسة، فالانتقادات العامة دون تقديم حقائق محددة قد تثير تساؤلات حول مصداقية الطرح، والسياسة الخارجية لأي دولة نامية مثل موريتانيا لا يمكن أن تقاس بمعايير الدول الكبرى، دور موريتانيا في إفريقيا والعالم محدود بحكم مواردها وموقعها الجغرافي، والقول بفشل مطلق في السياسة الخارجية يتجاهل الإنجازات المتحققة، مثل تعزيز العلاقات مع بعض الدول الكبرى، والمساهمة في جهود مكافحة الإرهاب في الساحل.
وبالمحصلة فإن مقال المغترب، المستغرب يعتمد على سرد انتقائي للأحداث وتحميل الرئيس ولد الغزواني مسؤولية أزمات تتجاوز قدرات أي رئيس؛ النقد مشروع ومطلوب، ولكن ينبغي أن يكون قائماً على تحليل موضوعي ورؤية متكاملة؛ موريتانيا تواجه تحديات كبيرة، وتحقيق النجاح يتطلب تعاوناً داخلياً وخارجياً مستداماً بدلاً من الاكتفاء بتوجيه الاتهامات دون تقديم حلول.