آراء

ميثاق البناء الأسري ومبادرة تأسيس 50 أسرة شبابية، الذين أطلقهما اتحاد أرباب العمل الموريتانيين خطوة جبارة في أرهاصات الإصلاح الاجتماعي

عبد الباقي ولد محمد

طالعت -على وسائل التواصل الإجتماعي- حجم الإختلاف بين مؤيدي ومعارضي المبادرة الجديدة التي أطلقها رجال أعمالنا برئاسة رجل الأعمال البارز، رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين السيد محمد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، فيما يعرف ب “ميثاق البناء الأسري” الداعي إلى  محاربة مظاهر وموجات الفساد المالي ومظاهر الإسراف والتبذير والمباهاة في المناسبات الاجتماعية.

بالإضافة إلى مبادرتهم الثانية والمتعلقة بتكوين 50 أسرة، مع توفير احتاجاتها الضرورية بقيمة 1 مليون أوقية للأسرة الواحدة، مع ضمان تشغيل طرفيها في القطاع الخاص.

ومع استغرابي -وبكل أسف- للحملة الشعواء التي قابل الكثير من المدونين بها هذين المجهودين الهامين، حيث خرجتُ من قراءة بعض ردود الأفعال السلبية على ذلك الميثاق وتلك المبادرة، بمجموعة من الأسئلة أطرح منها:

– هل نحن بكامل وعينا وإدراكنا لما يصدر عنا من أحكام ومواقف؟

– هل نعي فعلا ما نقوم به من تصرفات سلبية وردود أفعال سيئة ؟

– هل ما يفترض به أن يكون نخبة على وسائل التواصل الاجتماعي يمكنه خلق رأي عام إيجابي يقود المجتمع نحو الإصلاح؟

– هل أصبح الفعل الإيجابي نشازا في لاوعينا الجمعي، وبالتالي أصبحنا ننظر إلى الإيجابيات على أساس أنها سلبيات مطلقة، مهما كانت فائدته للمجتمع؟

أسئلة ضمن أخرى تتوارد على ذهنك وأنت ترى هذا الكم الكبير من النقد لقرار ومبادرة ، كان من المفترض بنا جميعا أن نتلقفها بالتشجيع والتثمين، وأن يتبناها جميع قادة الفكر من كتاب وأدباء ومفكرين وأئمة ومدونين وغيرهم..

إن هذا الميثاق وتلك المبادرة، ليفترض بهما أن يكونا بلسما وعلاجا لنزيف غير منقطع، يتجذر في تصرفاتنا وسلوكنا ويسري داخل جهاز اقتصادنا الوطني، يوشك من بين أمور أخرى أن يفضي بوطننا ومجتمعنا -لا قد الله- إلى الزوال والاضمحلال.

لنتساءل قليلا:

– أخي الموظف أو العامل البسيط، أختي الموظفة أو العاملة البسيطة، أختي أم أو  زوجة أو أخت أو بنت الموظف أو العامل البسيط.. كم تتكلفون في الأمور الاجتماعية من نفقات إضافية ترون أنها غير ضرورية، وأن عادات المجتمع وتقاليده، تجبركم على أدائها دون أي اقتناع بجدوائيتها أو قيمتها المستديمة على المستفيد منها أحرى غيره؟

– أخي الشاب الأعزب، أختى الآنسة.. كم منكم راودته أحلامه بإقامة أسرة وتأسيس بيت فخرج من حلمه يائسا غير قادر على تنفيذ حلمه بسبب الأعباء التي تنتظره بمجرد فتح باب التنفيذ لحلمه المشروع، أو خرج منه بمديونية تثقل كاهله حقبا من الزمن دون أن يتمتع بلذة إنجازه بسبب ما تحمل من نفقات تفوق طاقته؟

– هل ترون أن ذاك السيل من النفقات اللامتناهية الذي ينتظر سعداء الحظ ومن له علاقة بهم من أقارب وأصدقاء وجيران، ليس له تأثير مباشر على ما سيتبع تلك المناسبة من خلافات ومشاكل ونزاعات وطلاق في كثير من الأحيان؟

– هل تسنى لأحدكم يوما أن يقيم جردا بحجم التكاليف الإجمالية لأي مناسبة اجتماعية (زواج) مثلا، من:

1- المهر وما يرتبط به زوائد مثل (ندوية العقد وندوية الصداق واسْلام وامروگ لاسْبوع وبونتي وإيجار القاعة والفنانين والزرگ والحنة وصالون التجميل والحمام…. إلى آخره مما لا حصر له)

2- تجهيز العروس وما يرتبط من أشياء غير ضرورية، من تجهيز الأم والأخوات والخالات والعمات والقريبات والجيران والمعارف… إلى آخر ذلك.

3- هدايا من گودة وكشوة وهدايا الجارات والصديقات والقريبات والتي ستعتبر جميعها ديونا مسجلة تعاد في المناسبات القادمة لأصحابها الذين قدموها لأهالي العروس.

4- ما يتكلفه الزوج من ملابس غالية الأثمان وما يتكلفه أصدقاؤه من تكاليف، تظهر حجم الترف الكاذب.

هل من بينكم من تفرغ بعض الوقت لجرد كل تلك التكاليف التي لن يستفيد منعا أي طرف من أصحاب المناسبة، بل ستعود عليهم بالخسارة في حجم ما سيعيدونه في إطار المقاصة مستقبلا وما سيدفعون من ديون أو ما هدروه من مدخرات.

نحن -وللأسف- مجتمع مجبول على التقليد والتنافس الأعمى في المسلكيات الشاذة والغريبة، تحكمنا عدوى فساد متجذرة وعميقة في شتى مجالات حياتنا.

إن المتمعن في هذه الظاهرة السلبية والمتخلفة والفاسدة، يدرك بجلاء حجم الجهل والسذاجة والبداوة المتجذرة في العقلية الجماعية لمجتمعنا، بما في ذلك نخبتنا المثقفة، وللأسف.

إن تلك المسلمات، بما ينجر عن تلك العادات والتقاليد المندمجة في تلك الظاهرة السلبية، ستقودنا إلى سؤال إضافي، يحدد في إجابته مدى قيمة هذين الإجرائين الإيجابيين (ميثاق رجال الأعمال ومبادرتهم تكوين 50 أسرة) وأهمية الجهة الصادرين عنها، وهو سؤال يحتاج – من وجهة نظري- إلى جواب من نخبتنا المثقفة وتلك المنشغلة بوسائل التواصل الاجتماعي، يقول السؤال:

– مَن -برأيكم- أكثر تضررا من تلك العادات والتقاليد الساذجة والمجنونة، والتي تنتج عنها درجة عالية من التبذير والفساد.. طبقة رجال الأعمال أم المواطنون العاديون من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط أو المعدوم؟

طبقة رجال الأعمال أم المواطنون العاديون من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط أو المعدوم؟

بلا شك ومن البديهي، أن الجواب المطلق يتجه إلى المجموعة الثانية ” أصحاب الدخل المحدود أو المتوسط أو المعدوم” فيطرح ذلك بدوره أسئلة أخرى، من قبيل:

أليس في الحد والتقليص من تلك الظاهرة السلبية، نتيجة إيجابية لصالح الطبقات المتوسطة والفقيرة على وجه الخصوص؟ أليست رأفة بهم وإسهاما في صون ممتلكاتهم وأعراضهم، بل وتسهيلا لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في تأسيس أسر وعائلات، دون أن يخلف ذلك عليهم أعباء غير قادرين على الالتزام بها مستقبلا؟

إن كان ذلك كذلك، فلماذا لا نجعل جميعنا من هذا الميثاق والمبادرة، منعرجا جماعيا لتغيير عاداتنا السلبية وأن نقف إجلال وتثمينا لنخبة رجال أعمالنا الذين ضحوا برغباتهم ورغبات عائلاتهم في إظهار مكانتهم العالية، في خضم سياسة التمظهر -إن كان صادقا أو كاذبا- والذي دأب مجتمعنا على إظهاره بهدف التفاخر. بل وقبلوا أن يكونوا في مقدمة القطار المتجه نحو الترشيد وعقلنة الإنفاق في الظواهر الاجتماعية.

ولنجعل من (ميثاق البناء الأسري، الهادف إلى الإسهام في إصلاح المجتمع وبنائه ومحاربة مظاهر وموجات الفساد المالي والاجتماعي، من خلال رفض ظواهر الاسراف والتبذير وشتى مظاهر البذخ في المناسبات الاجتماعية، الموقع من طرف رجال أعمالنا بتاريخ 2024/08/27

ومبادرة تأسيس 50 أسرة شبابية، بمعايير عقلانية ومتحضرة.

لنجعل من هاذين المشروعين منطلق إصلاح اجتماعي شامل ولنعلن جميعا دعمنا وتأييدنا وشكرما لرجال أعمالنا الخيرين على هذه المبادرة الطيبة والقيمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى