آراء

رواية الهُمام للدكتور السيد ولد اباه تأصيل لتاريخ الكادحين

أحمد محمود جمال

  زودنا الروائي المفكر السيد ولد اباه بروايته الجديدة “الهُمام” وهي رحلة سردية شيقة في تاريخ اليسار العربي بصفة عامة و الموريتاني بصفة خاصة ، حيث يغوص الكاتب في أعماق النضال السياسي والفكري لحركة الكادحين ، مُسلّطًا الضوء على شخصياتها وأفكارها وتجاربها.

يُخفي الكاتب هوية بطل الرواية بشكلٍ مقصود، تاركًا للقارئ مهمة ربط الإشارات والتفاصيل المتناثرة ليكتشف من هو ذلك “الهمام”.

وتشير بعض الدلائل كا الإشارة لوالد <<الهمام>> وهو المعلم النقابي مؤسس مجلة الفتاة محمد الأمين ولد سميدع و اجتماع توكومادي والمرض الذي أصاب <<الهمام>> ورحيله إلى الرفيق الأعلى بدكار إلى أنّ بطل الرواية هو المناضل الكبير سيدي محمد ولد سميدع، أيقونة الحركة الوطنية الديمقراطية في موريتانيا.

وتتناول الرواية رحلة بطل الرواية الفكرية والنضالية، بدءًا من تأثره بالفكر القومي العربي، مرورًا بتحولّه إلى الفكر الماركسي بعد ما يعرف بحرب النكسة ١٩٦٧ وأحداث مايو ١٩٦٨ بباريس والحركة اليوسفية بتونس ، وصولًا إلى انخراطه في النضال السياسي ضد الاستعمار الفرنسي والنظام الموريتاني الوليد الذي يصفه بالاستعمار الجديد .

ويُسلّط الكاتب الضوء على التحديات التي واجهها اليسار الموريتاني من نشأته إلى منتصف السبعينات.

من أبرز وأطرف ما يميز رواية “الهمام” هو طرحها للإشكاليات الفلسفية العميقة، خاصةً فيما يتعلق بعلاقة النضال السياسي بالمشاعر الإنسانية.

ألم يكن لسان حال أحد أبرز مناضلي الحركة ينشد بالعامية :

في السقر اتركنا لعليات& والهول ولغن والتفتات 

والمال اروق الدرجات & وال فيه اوحلن حقوق 

الشعب اندور سياسات & للعدالة تكتل عروق 

الظلم أنبق مساواة & في الحقوق او عالم موثوق 

وال من لعمر فات اوفات& اخبار مات ش من مريوق 

وال من باق ما فات & ادور افوت افذاك الروق 

هذا البيان المؤطر لأهداف الحركة ربما كان السبب في عدم جراءة الهُمام على التعبير عن مشاعره العاطفية اتجاه بطلة الرواية << زميلته في الدراسة حيث كان يختفي وراء غزل شعر بلاده ومن تقدمهم من الشعراء الأقدمين للتعبير عن مشاعره الخفية التي كانت تحس بها>>   

ففي الرواية، يتساءل الكاتب عن كيفية جمع الثوري بين عبارات المحبة واللوعة ومقولات الثورة والكفاح.

ويُقدم الكاتب من خلال هذه التساؤلات نظرة ثاقبة على طبيعة النضال السياسي، وكيفية تأثيره على نفسية الفرد وعلاقاته مع الآخرين.

يتمتع الكاتب السيد ولد اباه بأسلوبٍ سرديٍ مُتقن.

وتتميز الرواية بسلاستها ووضوحها، مما يجعلها سهلة القراءة والفهم.

تُعدّ رواية “الهمام” إضافةً قيّمة للأدب الموريتاني والعربي، فهي تُقدم صورة حية لتاريخ اليسار الموريتاني، وتطرح إشكاليات فلسفية عميقة حول طبيعة النضال السياسي.

هنيئا للكاتب ومرحبًا بالرواية فهي إضافة ثرية لرفوف المكتبة. 

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى