آراء

الكَرم غير المسبوق

مريم اصوينع

لا أدري لماذا اكتب هذا النص، فأنا على يقين أنه لن يغير من السياسة الصهيونية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، لكنه فقط جزء من شيء يعلمه ويشاهده جميع العالم، لأن الفكر الصهيوني الليبرالي أقوى من الجميع. 

سؤال طالما راودني وكثيرين غيري وهو: هل التحالف الأمريكي الإسرائيلي تحالف مصالح أم تحالف عقائدي؟!

إسرائيل ليست قضية جيوسياسية استراتيجية فقط، بل أيضا قضية عقائدية تحتل أهمية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فبما أن الكَيان الإسرائيلي مبني على إيديولوجية الفكر الصهيوني، وكما تعلمون هي فكرة سياسية بشكلها الحالي نشأت خلال حركة قامت في القرن 19، والتي من بين منظريها الفيلسوف “ثيودور هرتزل”، عندما كتب كتابه السياسي “الدولة اليهودية” الذي ساهم بشكل كبير في تكوين هذا الفكر، هدفه تجميع يهود العالم على أرض فلسطين تحت فرضية “أرض بلا شعب”، وذلك لاعتبارات تاريخية وسياسية ودينية يؤمن بها اليهود. “وأعتقد أنه من يؤمن أن لليهود حق في أرض فلسطين فهو صهيوني وليس بالضرورة أن يكون يهوديا، وأن كل من يؤمن بحل الدولتين فهو صهيوني بنسبة معينة”. 

هذا الفكر الصهيوني متجذر عند الكثير من اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية وهي مجموعات قوية جدا واستطاعت أن تسيطر على كثير من المؤسسات والمنظمات اليهودية التي تؤثر على من يتولى الحكم الأمريكي، إلى أن أصبحت فكرة داخلية تؤثر في الانتخابات والإعلام والمؤسسات والاقتصاد الأمريكي، بل ترسخت إلى أن صارت من نسيج المجتمع.

في الثمانينات نشأت صهيونية مسيحية بصعود اليمين المسيحي الذي يؤمن ببعض التفسيرات المُدخلة على الإنجيل مثل تصور “الوعد الروحي”، فقد توغلت هذه المجموعة وصار لها تأثير كبير ليس فقط من الناحية الثقافية والدينية بل من الناحية السياسية، بالتالي كثير من أعضاء الحزب الجمهوري ينتمون لهم، ويٌدفع لهم لحماية الكيان الإسرائيلي، لدرجة أنه في بعض الأحيان تحدث أمور ضد المصلحة الأمريكية، ومع ذلك تسود رغبة إسرائيل، نظرا لأن الصهاينة جزء من هذا النظام في اتخاذ قراره.

إضافة إلى وجود بعض المفكرين الغربيين الاستراتيجيين الذين يرون أن أهداف إسرائيل متناسقة تماما مع أهداف أمريكا، وإن وجد تعارض في المصالح، تصبح المصلحة الأمريكية مقدمة على المصلحة الإسرائيلية. على سبيل المثال لا الحصر في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مع اختلاف المرامي التي تسعى دول التحالف لها، اتخذت أمريكا قرارا بتراجع إسرائيل عن الحرب، لأن هذا التراجع له علاقة بمصلحة أمريكا ولن تسمح بوجود نفوذ دولة غيرها في المنطقة العربية، فلو انتصر التحالف آنذاك لعاد لبريطانيا فكرة الاستعمار القديم.

بالتالي، وفي نظري أن جزءا من التصدي لإسرائيل هو محاولة تبين للولايات المتحدة الأمريكية أن مصالحها مهددة فعلا في المنطقة العربية، وأن احتضان إسرائيل سيكلفكم الكثير من المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

فهناك بعض الدول العربية حاضنة لقواعد عسكرية أمريكية تحوي أكبر قاعدة جوية وبحرية، ومنطقة تخزين للأسلحة، وهذه الأسلحة هي التي تعطينا مشاهد القتل والدمار ضد الفلسطينيين، فلو تبين لأمريكا وجود تهديد لمصالحها، لن تتردد الآن وقبل الغد في وقف هذه المجازر، لأنها لا تتصور أن تكون المنطقة العربية خالية من أساطيله العسكرية.

أعرج هنا، وأقول إن مصر تمتلك ورقة يمكن أن تلعبها إذا توفرت الإرادة رغم صعوبة وضعها السياسي وهي أن لا تسمح بمرور معدات عسكرية أمريكية من خلال قناة السويس، فأعتقد أنه أمر في غاية الخطورة، لأن أمريكا ببساطة يجب أن تكون أساطيلها العسكرية متواجدة في كل المحيطات في نفس الوقت ولا يمكن أن تستغني إطلاقا عن قناة السويس.

خارجيا، رغم وجود أحادية القطب وسياسة الهيمنة الليبرالية الأمريكية بكل تشوهاتها، والتي خلقت أنظمة تؤمن بأفكارها ومعتقداتها، فلا ننسى أنها في نفس الوقت تواجه الصين كخطر استراتيجي كبير، رغم أنها في وعيها الاستراتيجي دولة لا يمكن أن تتقدم عليها، واعتقدت خطأ أنها إن انفتحت عليها اقتصاديا ستتسبب في تغيير سياسي داخل الصين، لكن الصين يمكن أن تتقدم اقتصاديا في وجود نظام شمولي معقد ومثير للجدل، حيث يمزج بين سياسة الحزب الواحد والاقتصاد الاشتراكي من جهة. ومن جهة أخرى روسيا، عندما كانت في فترة ضعف ظلت أمريكا والغرب يدفعون بالناتو إلى أن وصل 30 دولة، لكن الروس استطاعت أن تأخذ أنفاسها بعد تفككها وأصبحت الآن في موضع يمكن أن ترفض فيه توسع حلف الناتو.

أما داخليا مع وجود حزبين كانا قريبين نظريا، خصوصا بالنسبة للسياسة الخارجية، لكن بعد الاختلاف العلني على المستوى الداخلي، وهما يمثلان حاليا النخبة الرأسمالية، بالإضافة إلى دخول الصهيونية المسيحية في الثمانينات، وبروز الأقليات، والدعوة إلى قضاياها حيث نحت نحو الحزب الديمقراطي، وأصبح هناك استقطاب أكثر، استمر إلى فترة ترؤس ترامب، لكن رغم كل هذه الأحداث يتفق هؤلاء على مسألة حماية إسرائيل، لذلك لن يتحقق معها أي إنجاز للسلام، وحق الفلسطينيين في دولتهم، إلا بالتلويح أو وقف الحرب، رغم تنديدات الشعوب العالمية بالمجازر الدموية المستمرة.

أتساءل هنا كغيري ممن يهمهم الأمر، هل لإسرائيل مستقبل في المنطقة العربية أم لا؟

سؤال تحدث فيه مفكرون ومثقفون عرب، لكنني لن أتفاءل كثيرا، فالبعض يقول إنها ستختفي لأسباب سكانية أو غيرها، لكنني أمام حقيقة واحدة، هي أنها دولة توسعة عدوانية، غرست في منطقتنا، وتتغذي على الانتهاكات والقتل، مدعومة من أمريكا التي قال رئيسها “إن شارون رجل سلام وإن إسرائيل تدافع عن نفسها”.

الحقيقة الوحيدة من وجهة نظري، هي أن ما حصل في عام 1948 في فلسطين، لا يختلف كثيرا عن ما يحصل الآن من القتل والتهجير من الديار إلى الشتات. فقد كانوا يقومون بالتضييق عليهم، وحدثت مواجهات ليقوم الإنجليز آنذاك “بشبه مؤتمر” لإيجاد حل للقضية بين الطرفين، لكنهم لم يستطيعوا ذلك، فرموا القضية على الأمم المتحدة، التي أخذت بدورها القرار: 181 الذي ينص على تقسيم الأرض بينهما؛ فقبل اليهود القرار واستوطنوا، وهو ما تقدمه الآن الأمم المتحدة من قرارات نظرية مدعومة بالفيتو الأمريكي فقد تقاسموا المهمة.

وبعيدا عن العاطفة، فإن مخطط الصهيونية لم ينته بعد، لأنه توسعي رغم وضوح عدالة القضية، ولن يقف الغرب بإنصاف ولو لوهلة مع الفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى