التوغو: التوجه نحو الانتقال لنظام برلماني يطيل بقاء حكم انْيَاسِينْغبي
محفوظ ولد السالك / صحفي خبير في الشؤون الإفريقية.
السلطة الموازية- كتب الصحفي الموريتاني محفوظ ولد السالك الخبير في الشؤون الإفريقية والموظف بإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية بمدينة طنجه المغربية عن التوغو بوصفها واحدة من جمهوريات قليلة في إفريقيا يحكمها نظام أسري، ورث فيه الابن السلطة من والده.
وأضاف ولد السالك بأن توالي نماذج التغيير التي تحصل بالغرب الإفريقي الذي تنتمي إليه البلاد، أو خارجه، يشي بأن استمرار “آل انْيَاسِينْغبي” في الحكم بات مهددًا أكثر من أي وقت مضى.
وتعمق أكثر في المقال المنشور على مركز الجزيرة للدراسات الذي غاص وجال فيه بالدقة والتفصيل حول واقع الحكم في التوغو
نص المقال:
التوغو واحدة من جمهوريات قليلة في إفريقيا يحكمها نظام أسري، ورث فيه الابن السلطة من والده، لكن توالي نماذج التغيير التي تحصل بالغرب الإفريقي الذي تنتمي إليه البلاد، أو خارجه، يشي بأن استمرار “آل انْيَاسِينْغبي” في الحكم بات مهددًا أكثر من أي وقت مضى.
على غرار والده، ظل فور انْيَاسِينْغبي وفيًّا لفرنسا، ولذلك هو كلمة السر في بقائه بالسلطة طيلة هذه الفترة (AP)
أجرت جمهورية التوغو، الاثنين، 29 أبريل/نيسان 2024 انتخابات تشريعية حاسمة، تشكل البداية الفعلية لانتقال البلاد من نظام رئاسي اعتمدته منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، إلى نظام برلماني، تعتبر المعارضة أن من شأنه إطالة فترة حكم الرئيس، ويرى فيه النظام تعزيزًا للديمقراطية.
وقد صوَّت البرلمان مرتين على دستور جديد يقر الانتقال إلى النظام البرلماني، فبعد تصويت أول أُجري في 25 مارس/آذار 2024، تقرر إجراء تصويت ثان في 19 أبريل/نيسان من هذه السنة، وتمت بموجب التصويتين إجازة الدستور، بعد موجة رفض واسعة من المعارضة التوغولية.
ولم يجد النظام صعوبة في تمرير الدستور الجديد؛ حيث إنه يتمتع بأغلبية مقاعد البرلمان السابق كما الجديد؛ ما يعني عمليًّا أن رفض المعارضة لن يكون له تأثير داخل المؤسسة التشريعية، وحده الشارع هو الذي سيعكس من خلال المظاهرات والاحتجاجات، قوة أو ضعف تأثير الرأي المناوئ لهذا التوجه الجديد.
والواقع أن الولاية الرئاسية الحالية للرئيس فور انْيَاسِينْغبي اتسمت بالكثير من عدم الاستقرار السياسي، بسبب موقف المعارضة من بقائه في السلطة، وتطلعها إلى إحداث تغيير تشهد بموجبه البلاد الواقعة بغرب القارة الإفريقية -وتحدها كل من بوركينافاسو وبنين وغانا(1)- رئيسًا جديدًا من خارج أسرة نياسينغبي.
ورغم أن المعارضة شاركت في الانتخابات التشريعية، إلا أنها تواصل رفض الدستور الجديد، وقد طعنت فيه أمام محكمة العدل التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مطالبة بسحبه والتراجع عنه(2).
وبغض النظر عن موقف المعارضة من الدستور الجديد والانتخابات، فإن التوغو مقبلة على مرحلة تحول تنتقل بموجبها من نظام حكم قائم منذ زهاء 6 عقود ونصف، إلى نظام آخر جديد ستجربه لأول مرة، وهي تخطو نحو دخول الجمهورية الخامسة.
الجمهورية الخامسة والنظام البرلماني
يسمح الدستور الجديد الذي تدخل بموجبه التوغو جمهورية خامسة، وتنتقل من نظام رئاسي إلى برلماني، للرئيس فور نياسينغبي الموجود بالسلطة منذ عام 2005، بالبقاء في المنصب إلى ما بعد 2031.
ويحدد الدستور الجديد الذي تم الاكتفاء بتمريره عبر البرلمان، وليس عن طريق الاستفتاء الشعبي -خوفًا من عدم تمريره ربما- ولاية الرئيس في 6 سنوات، ويجري انتخابه من طرف الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ(3) في جلسة مشتركة لا نقاش فيها.
وتنتهي ولاية الرئيس الحالي في سنة 2025، وينتظر أن يعاد انتخابه عن طريق البرلمان الذي يمتلك فيه الحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الجمهورية” أغلبية مريحة؛ حيث حصل في الانتخابات الأخيرة على 108 مقاعد من أصل 113.
وينص الدستور التوغولي الجديد على إيجاد منصب رئيس مجلس الوزراء، يعين لمدة 6 سنوات، ويكون رئيس الحزب أو التحالف الحاصل على أغلبية في الانتخابات التشريعية.
كما ينص الدستور كذلك على أن “رئيس الدولة يُجرَّد عمليًّا من سلطاته لصالح رئيس مجلس الوزراء، الذي يصبح ممثلًا للجمهورية التوغولية في الخارج، ويدير البلاد فعليًّا في القضايا اليومية”(4).
وفضلًا عن أن وضع دستور جديد تنتقل بموجبه البلاد إلى جمهورية خامسة، بعد أن بدأت الجمهورية الرابعة عام 1992، يتطلب وقتًا للنقاش والتعريف به، واستشارة السكان بشأنه، وهو ما لم يتم، فإنه كذلك اعتُمد من طرف برلمان انتهت ولايته رسميًّا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وتنص المادة 144 من الدستور التوغولي المعتمد في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1992، على أنه “لا يجوز إجراء أي مراجعة للدستور خلال فترة انتقالية أو فترة شغور، إلا عندما يتم تقويض سلامة الحوزة الترابية”(5).
ويأتي الدستور الجديد قبل أقل من عام على انتهاء ولاية فور نياسينغبي، لذلك فإنه يستبق الأمر بخطوة الانتقال إلى نظام برلماني، لأنه سبق أن عدَّل الدستور وحدد لنفسه ولايتين رئاسيتين.
فقد صادق البرلمان التوغولي على مشروع تعديل دستوري في 2019، بموجبه يحق للرئيس فور الترشح للانتخابات الرئاسية 2020 و2025.
ونص التعديل الدستوري على أن “رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع العام المباشر، الحر والعادل والسري، لولاية من 5 سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة”(6).
وتم بموجب ذات التعديل الدستوري، انتقال ولاية النائب البرلماني من 5 سنوات إلى 6 أعوام قابلة للتجديد مرتين، “وهو ما يعني أن النائب يمكن أن يبقى في البرلمان لمدة 18 سنة”(7).
وقد استفاد فور من تعديل دستوري قام به والده، عام 2002، حيث ألغى تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين كما نص عليها دستور 1992(8)، وباتت بذلك الولايات غير محددة.
وبعد تسلم فور نياسينغبي السلطة، عام 2005، ظل يُنتخب ويعاد انتخابه، لكن في عامي 2017 و2018 تعرض نظامه لاحتجاجات شعبية واسعة مناهضة لبقائه في السلطة، فلجأ في العام الموالي لتعديل دستوري يحدد ولايته الرئاسية في اثنتين.
وبحلول العام 2025، سيكون فور الابن قد أمضى عقدين في السلطة، وإذا مضت البلاد في الانتقال للنظام البرلماني فإنه سيستفيد من البقاء في الحكم 6 سنوات أخرى جديدة على الأقل، فيما أمضى والده 38 سنة، ولم يترك السلطة إلا بفعل الموت.
أزيد من نصف قرن من حكم أسرة نياسينغبي
شهدت التوغو منذ استقلالها، في 27 أبريل/نيسان 1960، تعاقب عدد من الرؤساء لكنها لم تعرف على مدى زهاء 6 عقود ونصف أي تناوب ديمقراطي على السلطة، فقد كانت الانقلابات العسكرية والاغتيالات، وتوريث السلطة، وسائل التناوب الوحيدة على هذه الدولة التي تعد ثالث أصغر بلد بالغرب الإفريقي، بعد غامبيا وغينيا بيساو بمساحة لا تتجاوز 57 ألف كلم مربع(9).
وكان سيلفانوس أوليمبيو أول رئيس عرفته التوغو بعد استقلالها، حيث فاز في أول انتخابات عام 1961، لكن حكمه لم يستمر سوى عامين؛ حيث اغتيل في 13 يناير/كانون الثاني سنة 1963(10) إثر انقلاب عسكري دموي، كان من بين قادته إياديما انْيَاسِينْغبي.
ورغم الفترة القصيرة التي أمضاها سيلفانوس أوليمبيو رئيسًا لتوغو، فقد “أعاد تنظيم مالية بلاده من خلال إدارة صارمة للغاية، وفرض سداد ديون التوغو للخزانة الفرنسية”(11)، أما على الصعيد السياسي فقد حظر جميع الأحزاب.
وبعد مقتل سيلفانوس أوليمبيو، تولى الرئاسة نيكولاس غرونيتسكي، وهو ابن ضابط في الجيش الإمبراطوري الألماني وسيدة توغولية، نشأ في بيئة إفريقية، وكانت له صلات مصاهرة ببعض القادة في غرب إفريقيا؛ حيث “تزوجت إحدى بنات أخيه من ابن رئيس ساحل العاج الأسبق، فيليكس هوفويت بوانيي، وهو نفسه تزوج من ابنة عم جون هارلي، نائب رئيس مجلس التحرير الوطني الغاني”(21).
وقد استمرت فترة حكم نيكولاس غرونيتسكي من 1963 إلى 1967، حيث تمت الإطاحة به عبر انقلاب عسكري، لتبدأ مرحلة حكم أسرة انْيَاسِينْغبي.
وقد حكم الجنرال إياديما انْيَاسِينْغبي، المنحدر من أسرة فلاحية متواضعة في الشمال التوغولي، البلاد بقبضة من حديد، وهو في ربيعه الثاني والثلاثين تقريبًا.
وبعد سنتين من توليه السلطة، أنشأ في 30 من أغسطس/آب 1969، حزب “تجمع الشعب التوغولي”، وظل الحزب الوحيد في البلاد لأزيد من 20 سنة(13). وقد أقر إياديما، ابتداء من 1991، نظام التعددية، على غرار عدد من الأنظمة الحاكمة في القارة، بفعل الضغط الداخلي والخارجي، وتنامي مستوى الوعي، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار حكمه، فقد كانت التعددية في جزء كبير منها صورية فقط.
وبعد أقل من عامين على إقرار التعددية الحزبية، فاز إياديما بالرئاسة ونُصِّب، في 4 من سبتمبر/أيلول سنة 1993، تزامنًا مع انتقال البلاد إلى الجمهورية الرابعة.
ثم أعيد انتخابه في 1998، وفي 2003، وظلت المعارضة ترفض النتائج في كل مرة، وهو يتجاهل أصواتها أحيانًا ويرد بالقمع أحيانًا أخرى، إلى أن توفي في الخامس من فبراير/شباط سنة 2005، بعد 38 سنة من الحكم.
وبعد وفاة إياديما، الذي يعد واحدًا من رواد نظام “فرانس-آفريك” تولى نجله فور انْيَاسِينْغبي السلطة، بتأييد من الجيش، وكان قد تولى عدة حقائب وزارية ومسؤوليات مختلفة خلال حكم والده.
ولكن فور لم يكن قويًّا، أمام الضغط الداخلي والإقليمي والدولي المناهض لخلافته والده، باعتبار ذلك منافيًا للدستور التوغولي الذي ينص على “تولي رئيس الجمعية الوطنية رئاسة البلاد بالنيابة إلى حين تنظيم انتخابات خلال ستين يومًا”(14).
وقد أعلن فور استقالته وترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان 2005، وعقد البرلمان جلسة استثنائية انتخب خلالها عباس بونفو رئيسًا مؤقتًا لتوغو(15).
وأجريت الانتخابات الرئاسية، في 24 أبريل/نيسان 2005، وفي 5 مايو/أيار، أعلنت المحكمة الدستورية في لومي فوز فور انْيَاسِينْغبي بنسبة ناهزت 60%، وخلف والده في السلطة.
صديق الغرب والانقلابيين
كان عمر فور انْيَاسِينْغبي سنة واحدة، حين تولى والده إياديما السلطة في التوغو، وبعد 38 عامًا، أصبح هو رئيسًا للبلاد إثر وفاة أبيه.
وقد أتيحت للابن الذي تربى في أكناف القصر الرئاسي فرصة لم تتح للكثير من التوغوليين، فقد تخرج من جامعة السوربون بباريس؛ حيث درس الاقتصاد والعلاقات الدولية، كما نال شهادة “المتريز” في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن الأميركية.
وحين عاد فور إلى التوغو، انخرط في تسيير الأعمال التجارية للأسرة الحاكمة، فعمل مستشارًا ماليًّا لوالده(16).
وقد شكَّل هذا المنصب بداية التهيئة لفور من أجل خلافة والده، فقد أتاح له منصب الاستشارية المالية الاطلاع عن قرب على الكثير من التفاصيل المرتبطة بالقصر وبالرئاسة، ولكن أيضًا بوضع البلد، وشراكاته الخارجية.
وكخطوة ثانية على درب التهيئة المتأنية، ترشح فور انْيَاسِينْغبي، عام 2002، للانتخابات التشريعية، وانتخب نائبًا برلمانيًّا عن حزب تجمع الشعب التوغولي الحاكم في البلاد.
وتم لاحقًا تعيينه وزيرًا للاتصالات والمعادن والتجهيز، وكانت المؤسسة العسكرية تنظر إليه بمستوى كبير من الإعجاب، لهدوئه وعدم تدخله في الكثير من التفاصيل المزعجة عادة للعسكر في إفريقيا.
وكان تعديل الدستور، في نهاية 2002، لتقليص سن الترشح من 40 سنة إلى 35 عامًا حدًّا أدنى، أبرز الخطوات وأكثرها وضوحًا في إطار تهيئة الأرضية لفور انْيَاسِينْغبي الذي كان عمره حينها 36 سنة.
وبعد 3 سنوات، وجد الابن نفسه جاهزًا لخلافة والده الذي توفي، وبعد فترة وجيزة على توليه الرئاسة بإيعاز من الجيش، استقال وترشح، فاختير رئيسًا، وأعيد انتخابه 4 مرات على مدى أقل من عقدين في السلطة.
وعلى غرار والده، ظل فور انْيَاسِينْغبي وفيًّا لفرنسا، ولعل ذلك هو كلمة السر في بقائه بالسلطة طيلة هذه الفترة، وعندما انتشرت في منطقة الساحل وغرب إفريقيا موجة مناهضة فرنسا، وباتت الشعوب تطالب بمغادرتها، انفتح الرئيس التوغولي على بريطانيا، لكن دون التفريط في الحليف الفرنسي.
وهكذا انضمت التوغو والغابون إلى منظمة “الكومنولث”، في يونيو/حزيران 2022، في ختام قمة عُقدت بالعاصمة الرواندية، كيغالي، واعتبر الهدف من الخطوة “هو ضمان موافقة الهوى الشعبي، وربما أيضًا استبعاد نشر قوات فرنسية”(17) على الأراضي التوغولية.
وإلى جانب وفاء فور انْيَاسِينْغبي للغرب عمومًا وفرنسا خصوصًا، فإنه برز كذلك خلال موجة الانقلابات العسكرية الأخيرة التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كوسيط بين القادة الانقلابيين والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وقد لعبت الدبلوماسية التوغولية دورًا كبيرًا في محاولة تقريب وجهات النظر بين الانقلابيين ومنظمة “إيكواس”، كما نجحت وساطة لومي في إنهاء أزمة الجنود الإيفواريين الذين اعتقلتهم مالي لأشهر.
واستقبل فور انْيَاسِينْغبي الرئيس الانتقالي النيجري، الجنرال عبد الرحمن تياني، قبل أشهر، وتحدثت بعض وسائل الإعلام الإقليمية عن أنه طلب منه إيصال تصوراته بشأن المسار الانتقالي إلى “إيكواس”.
وكجزء من حل أزمة بوركينا فاسو، التي أعقبت انقلاب النقيب الحالي، إبراهيم تراوري، على العقيد بول هنري سانداوغو داميبا في سبتمبر/أيلول 2022، استقبلت التوغو العقيد المطاح به، وبات مقيمًا فيها.
وتعكس كل هذه الخطوات، نشاط الدبلوماسية التوغولية في المحيط الإقليمي، وسعيها إلى تقديم نفسها فاعلًا إقليميًّا لا غنى عنه.
تحديات تضع استمرار حكم انْيَاسِينْغبي على المحك
تحفز ديناميكيات التناوب السلمي على السلطة التي تحصل من حين لآخر ببعض بلدان الغرب الإفريقي، كما هي حال ليبيريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والسنغال في مارس/آذار 2024، وينتظر أن تحصل لاحقًا في غانا؛ حيث إن الرئيس نانا أكوفو أدو لن يترشح للرئاسة خلال انتخابات ديسمبر/كانون الأول المقبل، تحفز المعارضة التوغولية على التشبث بضرورة التناوب الديمقراطي في التوغو.
كما أن حالات الانقلابات العسكرية التي وقعت في بعض دول الساحل، كمالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغينيا كوناكري، قد تدفع الجيش إلى الإطاحة بفور انْيَاسِينْغبي، وما حصل في الغابون التي ورث فيها علي بونغو أونديمبا السلطة عن أبيه، عمر بونغو أونديمبا، ربما يدفع أكثر نحو هذا التوجه.
وفضلًا عن ذلك، يبرز البعد الأمني تحديًا كبيرًا قد يواجه فور انْيَاسِينْغبي خلال الفترة المقبلة؛ حيث يتنامى تهديد البلاد من طرف الجماعات المسلحة بشكل متزايد، فبعدما أعلن الرئيس التوغولي، في أبريل/نيسان 2019، تفكيك “خلايا إرهابية” واعتقال “20 مسلحًا قادمين من بوركينا فاسو”(18)، تم تسجيل أول هجوم مسلح، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021؛ حيث “أغار مسلحون على مركز أمني في قرية سانلواغا الحدودية الشمالية المجاورة لبوركينا فاسو”(19).
وقد دفع توالي الهجمات المسلحة على الأراضي التوغولية خصوصًا القريبة من الحدود مع بوركينا فاسو، إلى إعلان الرئيس فور انْيَاسِينْغبي حالة طوارئ أمنية، في يونيو/حزيران 2022(20)، وظلت تمدد كل 6 أشهر؛ ما يعني أن الخطر يبقى مستمرًّا.
ولا يستبعد أن يتنامى التهديد المسلح لدولة التوغو خلال الفترة المقبلة، في ظل التوقع بأن الجماعات المسلحة ستتجه نحو خليج غينيا؛ ما يجعل مختلف الدول المطلة عليه محل استهداف من طرف هذه الجماعات.
وتشكل مختلف هذه العوامل مجتمعة، تحديات مشتركة يمكن أن تهدد بقاء أسرة انْيَاسِينْغبي في الحكم، خصوصًا في ظل التوجه نحو الانتقال إلى نظام برلماني، صحيح أنه سيقلص صلاحيات رئيس البلاد لصالح رئيس الوزراء، ولكنه يُبقي الرئيس في السلطة لفترة أطول، وهنا يكمن الرهان والتحدي.
فبعدما كانت المعارضة التوغولية تتطلع إلى أن تكون انتخابات 2025 بمنزلة الفرصة الأخيرة لفور انْيَاسِينْغبي للترشح، فإن الدستور الجديد الذي تم بموجبه الانتقال إلى نظام برلماني، سيسمح له بالبقاء في الحكم إلى ما لا نهاية، طالما أن الحزب الحاكم الذي يرأسه شخصيًّا، يفوز في الانتخابات.
خاتمة
تعتبر توغو واحدة من جمهوريات قليلة في القارة الإفريقية يحكمها نظام أسري، ورث فيه الابن السلطة من والده، لكن توالي نماذج التغيير التي تحصل سواء في الفضاء غرب الإفريقي الذي تنتمي إليه البلاد، أو خارج ذلك، يشي بأن استمرار “آل” انْيَاسِينْغبي في الحكم بات مهدَّدًا أكثر من أي وقت مضى.
ورغم سعي فور انْيَاسِينْغبي إلى التشبث بالبقاء في كرسي الرئاسة، من خلال الانتقال من نظام جمهوري إلى برلماني، بحيث يكون منصبه شرفيًّا أكثر منه فعليًّا، فإن المعارضة تبدو حازمة في الوقوف أمام ذلك، وفرض التراجع عنه من خلال الشارع.
وإذا ما ضغط الشارع رفضًا لاستمرار حكم انْيَاسِينْغبي، وانضافت الأزمة السياسية، إلى الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، فضلًا عن تأزم الوضع الإقليمي، والرفض المتنامي لفرنسا المساند الرئيسي للرئيس الابن، فإن ذلك سيشكِّل بداية لنهاية نظام فور انْيَاسِينْغبي.
نقلا عن مركز الجزيرة للدراسات