النقد المجتمعي لتوعية الناس، أكثر ضرورة وأكثر نفعا وآكد الآن ، ولكنه أصعب من كل ألوان النقد الأخرى ، ذلك أنه يتطلب شروطا ليست يسيرة ولا بسيطة، بل هي غاية في الصعوبة والتعقيد.
– ولعل من بينها وأهمها ما هو ذاتي بالدرجة الأولى ؛ من قبيل السواء النفسي والروحي لدى الناقد، فلا ينطلق من خلفيات ونزوع مريضة، ولا هو ينطلق من حظوظ نفسية وشخصية قريبة ، وإنما بلغ من الصحة النفسية والعقلية، مبلغا مكنه من سلامة القصد والقول والفعل، فتحقق بخاصية ” الشفقة والرحمة” كما هو عند المصلحين من الأنبياء عليهم السلام، وبقية المصلحين الكبار في المجتمعات المختلفة ، فضلا عن قيمة الثقة في النفس والمنهج، فقَل من أظهرللمجتمعات حقيقتها التي هي عليها إلا تعرض للنبذ والإعراض بل التهمة بالجنون!
– إلى جانب تلك الشروط النفسية الجبلية الموهوبة والمكتسبة، هناك شروط موضوعية تمثل عدة الناقد ” المصلح ،الناصح” من أهمها معرفة طبيعة مجتمعه تجربته التاريخية والإنسانية،وقيمه وثقافته…الخ
– هذه الخبرة الضرورية الذاتية والموضوعية؛ هي التي تشكل الخلفية المعرفية والعناصر الأساسية والعميقة، لأي تصور إصلاحي حقيقي وعملي، يروم وضع قطار المجتمع على سكة التغيير الايجابي والآمن والمضمون.
بغير تلك الكفاءة النفسية والعقلية والأخلاقية والعلمية والعملية؛ وتوافرها لدى المصلحين أفرادا أو نخبا ، لا نستطيع أن نؤثر في حركة المجتمع أو إنقاذه من التردي!
– هذا الاستحقاق الواعي ؛ لا بد أن تنتجه الجامعات والمدارس، ولا بد أن تترجمه أفئدة العلماء والمثقفين، أي جعل الوعي المجتمعي وبثه مسؤولية مؤسسات وجهات شرعية ، لديها من الحصافة والقدرة، ما يجعلها قادرة على تقييم أوضاع مجتمعها وفهم سيرورة حركته وكدحه وسبحه في عالم اليوم!
ولكي يدور هذا الجهد في محيط من الشرعية والجدوائية، لا بد أن يكون مؤطرا من الدولة ولا أقول السلطة، وإنما الدولة ككيان تعاقدي مستمر يعبر عن المصلحة العليا للأمة ” المجتمع ” ، وبالتالي فمسؤولية تنفيذ هذه الرؤية لصالح المجتمع، تكون بيد السلطات – التي قد تكون متغيرة ومتداولة- وبيد المجتمعات الموازية مدنيا ومجتمعيا.
وعلميا …إلخ.
والمهم الآن ؛ أن يحصل الوعي أولا ، بأهمية دراسة المجتمع كاستحقاق عاجل وضروري وعملي .
وثانيا : رسم المفاهيم والمبادئ والأهداف، المرومة لإنقاذ المجتمع من نفسه وعقده وتعثره وتناقضاته وأوضاعه المتفاقمة سلبا على مختلف الأصعدة .
وثالثا: خطة تشاركية عملية مصطفاة بالمعنى ” الانتخابي والانتقائي” للتحرك.
بكلمة واحدة؛ نحن نحتاج إلى “رؤية” بحجم إنقاذ مجتمعنا والتمكين له ، ليكون على قدر التحدي الوجودي على المستوى الإنساني والحضاري من جهة، وليحقق من جهة أخرى؛ حياة كريمة من الدعة والجمال والمعنى على المستوى الخاص.
الأسئلة المعيقة كثيرة؛ من قبيل هل أكتمل -لدى الأطراف النخبوية والمسؤولة- وعي عام وملموس، بالشعور بالأزمة المجتعية المعيبة والمعيقة لتحقيق ذاتنا ووجودنا وحظوظنا ؟
من يقوم بهذا التفكير؟ ( أزمة أو سؤال من يفكر للمجتمع)
من يقوم بهذا العمل؟ ( سؤال و أزمة الدور)
كيف يقام بهذا العمل وهل نمتلك الأدوات؟ ( سؤال و أزمة التنفيذ والموارد)
بمعنى أكثر تجزئة وتشخيصا:
كيف نفهم الدين – نسختنا الموريتانية الخاصة من النظر والتأويل والممارسة-؟
كيف ننظر إلى المجتمع؛ كوحدة واحدة أو وحدات متفرقة؛ كيف ندرك الخيوط الناظمة لتشكل وديمومة هذا الوجود البشري لدينا؟
كيف ندرك العالم – رؤيتنا للعالم- كيف نقيم الفرص والمعيقات؟
– أخيرا أين سؤال المؤسسة المرشدة والناظمة والقائدة والموجهة والحكيمة والنافعة ؛ المولدة للثقة؟!
