آراء

رسائل الرسالة

بقلم والأستاذ والإعلامي: محمدفال ولد عمير ولد ابي

صحيح أن فن الرسائل لم يعد ممارسا كما كان وأنه فقد ألقه وسره في إمكانية الجمع بين التسلية والإفادة، بين الذوق والعقل… فالذوق اليوم لم يعد يرقى إلى منزلة تتطلب الوعي الكافي من أجل التلقي السليم لكنه الرسائل… مثله التسلية التي أصبحت خالية من الفائدة.

ففي عصر الوسائط الاجتماعية عصر الذكاء الاصطناعي تخلى الانسان، عن قصد أو مكرها، عن كل ما يتطلب منه التفكير والتمييز بين الحق والباطل، بين العقل والسذاجة، بين الصالح والطالح… وإن كانت تلك ظاهرة عالمية فإن مجتمعنا عانا منها بصفة خاصة حتى تسببت له في “الانفلات الأخلاقي والمجتمعي” الذي أتى على ألأخضر من شخصيتنا الحضارية ليضعف مناعتها أمام هجمات العولمة الشرسة…

وصحيح أن من مميزات حكم الرئيس محمد ولد الشيخ العزواني أنه منذ البداية أضاف مسحة أخلاقية شخصية للممارسات الرئاسية اليومية، كما أنه فتح بابه وقلبه للفاعلين السياسيين عامة للنقاش معهم حول الأمور العامة وذلك ما لم يحدث منذ السنوات الأولى للاستقلال الوطني.

صحيح أيضا أنه طيلة المأمورية المنصرمة دأب الرئيس على إرساء ثقافة الحوار الهادف إلى إشراك الجميع، وتأكيد حكامة فلسفتها الانصاف والتعاضد فتعاطف مع المتضررين من نكبات الدهر وأسس لسياسات اجتماعية هدفها القضاء على الغبن والتهميش وتخفيف وطأة البؤس على الجميع.

ولأن الاستحقاق القادم له خصوصيته ولأنه حاسم وغير مسبوق لابد أن تكون الآليات المستخدمة في تصور البرنامج ثم في إنجازه جديدة ومؤثرة وناجعة، لكونها خلاصة تجربة مثمرة وشاملة… كذلك أريد لرسالة الترشيح ان تكون : معبرة عن طبيعة “خمسية العافية والعمل”.

فراعت الإنجازات “الابتعاد عن الشخصنة، والارتجالية والشعبوية والاستغلال السياسي الضيق” لتوفق بين اعتماد التشاركية الشاملة حين يتعلق الأمر بالقرارات الكبرى من جهة و”العمل المؤسسي الرصين، الذي يعالج المشاكل من جذورها وينظر للصورة بكل أبعادها” من جهة أخرى.

ولذلك، يقول الرئيس المترشح : “يمكنني أن أؤكد لكم اليوم بثقة وراحة ضمير أنني عملت، ومنذ اليوم الأول، بكل قوة وصدق، ودون كلل على التنفيذ الأمين لمقتضيات العقد الانتخابي الذي على أساسه انتخبتموني رئيسا للجمهورية”. ليعطي بعد ذلك رؤوس أقلام لما تم إنجازه مما يمكث في الأرض ويساهم في ازدهار البلاد وسعادة العباد.

صحيح أن الاكراهات كانت جمة. منها ما هو تراكمات الماضي ومنها ما نتج عن الأزمات التي ضربت بلدنا في السنوات الأولى من المأمورية: الأزمة السياسية المتمثلة في تداعيات “ملف العشرية”، الأزمة الصحية الناجمة عن ظهور وباء كورونا والأزمة الاقتصادية التي نتجت عن حرب أكرانيا.

وبما أن العمل الإنساني لا يعرف الكمال، حصل، “هنا أو هناك، خطأ في التقدير أو قصور في التخطيط والتنفيذ، قد أعاق أحيانا، وأبطأ أحيانا أخرى تنفيذ بعض المشاريع والبرامج. لكني أؤكد لكم أنه ما من خطأ أو تقصير حصل في المرحلة الماضية إلا وقد استخلصنا منه الدروس والعبر المفيدة، وسيشكل لنا دافعا ومحفزا إضافيا للإسراع في تصحيح المسار”. هنا يظهر الصدق والوفاء. وهنا تبدأ الاستقامة التي تميز الرواد القادرين على شق الطرق وجعلها سالكة لأمة تستحق النهوض والتقدم.

“ونظرا لما تم رسميا من دعوة هيئة الناخبين لهذه الاستحقاقات المقرر شوطها الأول يوم 29 يونيو المقبل، واستشعارا لخصوصية الظرف، وتقديرا للمسؤولية، فقد ارتأيت أن أتوجه إليكم مواطني الأعزاء بهذه الرسالة المباشرة؛ وذلك لأطلعكم على قراري التقدم لنيل ثقتكم لمأمورية جديدة، تلبية لنداء الواجب، وحرصاً على مواصلة خدمتكم، وخدمة بلدنا الغالي عبر تحصين ما تحقق من مكاسب مهمة، وفتح ورشات جديدة، وإطلاق إصلاحات ومشاريع بنيوية، بحجم طموحاتنا جميعا، تدعم ديناميكية الجهد الإنمائي الوطني ليكون أسرع وتيرة، وأعمق أثرا، وأكثر شمولا واستدامة”.
هذه الرسالة تعطي إشارة انطلاق الحملة الرئاسية القادمة وتحدد بعضا من عناصر الخطاب عبر مقترحات تعزز بناء الدولة الحديثة، دولة المؤسسات في نطاق الرؤية التي بلورها خطاب الترشيح فاتح مارس 2019 ورسختها خارطة طريقها برنامج “تعهداتي” ونفذ جلها طيلة المأمورية المنصرمة.

رسالة قيادة فاضلة وحكيمة تعي التحديات التي أولها تحدي البقاء والوجود في عالم تحفه المخاطر وتعبث به الشعبوية وعوامل الجهل والفقر.

فالنزاعات المسلحة على حدودنا (منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا) مصدر قلق وتهديد للكيان الموريتاني. وتعزيز الجبهة الداخلية من خلال تهدئة العلاقات العامة بين اللاعبين السياسيين والاجتماعيين هو بالتأكيد الخطوة الأولى من أجل تحصين البلد. يجب علينا استحضار هشاشة الحالة الأمنية في محيطنا ورفض التعامل مع الإشكال الأمني كأن البلد “استثناء” لذاته.

ثم الواقع الاقتصادي الناجم عن آثار الأزمات العالمية (أزمة الغذاء، التضخم، الندرة المتزايدة للموارد المالية، إلخ)، مما يؤدى إلى تباطؤ النمو، وانخفاض التبادل بين الدول، وربما فشل بعض برامج التنمية. وهنا يجب التذكير بأهمية تأهيل البلد وساكنيه لمرحلة استغلال الثروات وخاصة الغاز منها، ذلك تحد من أكبر التحديات.
الوعي بالتركيبة الاجتماعية على مستوى المعطيات الديمغرافية يجعل من الشباب المكونة الأساسية في المجتمع ولذلك يقول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في رسالته للترشح: “أنا على يقين بأن أي رؤية تنموية تسعى لإحداث تحول اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي حقيقي ليس الشباب وسيلتها الأولى وغايتها النهائية ستنتهي قطعا بالتعثر والفشل. وعلى هذا الأساس، فإن التحدي الأول بالنسبة لي، كان ولايزال هو تلبية طموحات وآمال شبابنا، وتحرير طاقاتهم وتأهيلهم للمساهمة الفعالة في رسم وبناء معالم موريتانيا التي ينشدونها”.

ومن هنا يبدأ البناء على أساس صلب ينهي علاقة التنافر والقطيعة والتخوين ليحل محلهم الحوار والمسؤولية لينحصر التباين السياسي في “اختلاف مشاريع، وتباين آراء، وليس حرباً مفتوحة أو مضمار إساءة وتجاوز لا سقف له ولا خطوط حمراء”.

ل”يتواصل ويتعزز (الجهد) بإذن الله. فنحن عازمون على أن تكتنف شجرة الوطن، بظلها الوارف، كل مواطنينا، وخصوصا ذوي الدخل المحدود، والمتقاعدين، وذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة، فيجنون جميعاً هم وأسرهم، علاوة على ما تحقق لهم من مكتسبات بالغة الأهمية، ثمارها الطيبة، تعليماً وصحة وسكنا وعيشا كريما”.

ليختم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالقول: “أنا شاكر ثقتكم، فخور بمواكبتكم، مقدّر لطموحكم، متفهم لاستعجال بعضكم، عاقد العزم على المضي قدما معكم، ومعكم جميعا، على نفس الدرب درب العدل والمساواة والأمن والبناء وتحقيق الازدهار والتقدم لهذا الوطن، ولشبابه بشكل خاص”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى