1 _ لم يخب التوقع القائل إن الحكومة لن تكون جديدة في أغلبها، ولا مجددة، حيث خرج تسع وزراء فقط، مع أن خروجهم أو خروج أغلبهم مستحق نتيجة لضئالة المنجز وضعف الأداء، وشبهة المسار لدى بعضهم، هذا مع الاعتراف أن من بينهم وزيرا أو اثنين أفضل من أغلبية الحكومة “الجديدة”، وأن ضئالة المنجز وضعف الأداء لو اتخذت معيارا لذهبت الحكومة كلها أو جلها، ربما لبقي ثلاثة أو أربعة فقط.
2 _ ما زالت حكومات الرئيس غزواني المتعاقبة ترتهن للماضي، ويضعف فيها الحاضر، ويندر المستقبل، ففي أحدث نسخها اليوم يوجد 12 وزيرا على الأقل تم توزيرهم في أنظمة سابقة، أربعة في نظام معاوية، واثنان مع اعل ولد محمد فال رحمه الله، واثنان مع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، وأربعة مع محمد ولد عبد العزيز. يعني أن غزواني إلى الآن لم يستطع خروج دائرة أسلافه إلا بخمسين بالمائة من طاقمه في أعلى معدل في رابع محاولاته، وهذا تباطؤ كبير، خاصة إذا فُحِص حصاد الوزراء الذين يصر الرئيس على التجديد لهم والذين خدموا في أنظمة سابقة.
عمريا يوجد من بين أعضاء الحكومة خمسة على الأقل ولدوا قبل ميلاد الدولة (أطال الله عمرهم وحفظهم)، وبعضهم استوزر قبل ربع قرن أو أكثر، وهذا يصعب تحديث أساليبهم في العمل ويضعف حيويتهم وعطاءهم، مهما كانت كفاءتهم وإرادتهم.
3 _ نسفت اختيارات الرئيس اليوم ما بقي عند “المتغافلين” من حجج بخصوص “ملف العشرية” ومحاربة الفساد، فالإصرار على الثقة في “أهم” رموز العشرية وأدوات بطشها وظلمها لا يبقي أي عذر في الاستمرار في الازدواجية بهذا الملف الذي اغتيل منذ يومه الأول، ثم عذب بعد قتله، واستمرت سياسة الازدواجية بخصوص مشموليه وتوجت اليوم. كما أن تجديد هذه الثقة ومنح هذه العناصر أهم القطاعات والمراكز يقتل حلم التغيير مطلقا ويجعل أي سعي لمحاربة الفساد والميوعة واحتقار القوانين والمؤسسات سعيا عبثيا.
4 – تشكل مجموعة “البين بين” ركيزة أساسية في هذه الحكومة، وهي جماعة الوزراء الذين لم يوزروا قبل غزواني وإن كانوا تولوا مناصب هامة قبله مع الرؤساء الثلاثة السالفين أو أغلبهم، ويشترك أغلب هؤلاء _ وهم نصف الحكومة تقريبا _ في ضعف الأداء وعدم وضوح الرؤية، ولا يخلو بعضهم من مجاملة المقاولين النافذين إن لم تكن الاستفادة منهم، خاصة مقربي القصر الرئاسي بحكم القرابة أو الجهة أو هما معا، ولبعض هؤلاء سوابق سلبية في تسيير مؤسسات أداروها أو مناصب شغلوها قبل رئاسة غزواني وأثناءها، كما يشترك أغلبهم في الانخراط السلبي في الحملات الانتخابية على حساب الأداء الوظيفي مما زاد ميوعتهم وأضعف إنتاجهم، وقد تراجع أداء العناصر القليلة (اثنين أو ثلاثة) الإيجابية فيهم خلال السنة أو السنتين المنصرمتين.
5 – لم تخل الحكومة من عناصر جديدة _ خاصة الشبابية _ ذات كفاءات علمية جيدة ومشاوير نظيفة، رغم محدودية تجاربها التسييرية سابقا، ويمكن القول إن ستة أو سبعة من الشباب (الشباب هنا بمعايير نظام غزواني اي حدود الأربعين سنة وهذا تراجع كبير مقارنة مع التسعينات حيث كان رأس الحكومة وبعض الوزراء الهامين أقل من 35 سنة)، يمكن القول إنهم نواة تغيير محاصرة في بحر من العراقيل، كما أن ثلاثة من هؤلاء السبعة كانوا في الحكومة “المنصرفة / الحالية” وكان أداؤهم باهتا، وحتى لو عززوا بأربعة جدد من ذوي الكفاءات العلمية الجيدة (بعضهم عُين على رأس قطاعات لا علاقة لها بتخصصه ولا تجاربه المهنية)، فإن ماكينة الحكومة ذات التصنيع القديم (Ancien Model) وهيكلتها متوسطة الحداثة لا يمكن أن تتغير بتغير أطراف جديدة في مواقع هامشية نسبيا. لقد اختاروا للشباب وزارات “رشيقة” أو “خفيفة” أو “ثانوية”، وستبقى هذه المجموعة مكبلة بمدى الصلاحيات في اختيار طواقمها ورؤيتها وحجم الميزانيات الممنوحة لها.
6 – في المحصلة، لا هذه حكومة كفاءات تكنوقراطية، ولا حكومة سياسية، ولا هي نظيفة أمانةً ولا قوية أداءً _ بحكم ماضي أغلبها رغم القلة الجديدة _ إنها حكومة بها تجسيد للهروب إلى الماضي، والارتباك في الحاضر، والخوف من المستقبل. وقد جسدت في عدد منها عقلية التدوير الداخلي أي الذهاب بوزير من قطاع لم ينجح فيه أو فشل فيه إلى قطاع آخر حتى يكرر الفشل أو عدم النجاح، وفيها من إهانة مؤسسات الرقابة والتفتيش (محكمة الحسابات، البرلمان، المفتشيات) ما يكفي للاحجام عن التفكير في أي إصلاح أساسه محاربة الفساد. إنها دليل لمن يحتاج المزيد من الأدلة أن النظام الحالي ليس نظام تغيير ولا إصلاح، فمن شاء فليسايره ويمنحه المزيد من التحكم والاستمرارية، ومن شاء فليعارضه ويسعى لتغييره واستبداله بالأفضل.
ومن يزرع الشوك يجني الجراح!