آراء

عبادة وإفادة

د. محجوب بن بيه

في هذا العصر الذي ابتلينا فيه بكثرة الجدل وقلة العمل، صُرف الناس عن كثير من الهدى والخير مما كان عليه سلفهم، بدعاوى مختلفة وعناوين شتى، ومن أهمها تلبيس إبليس على الناس، بأنهم أكثر تمسكا بالسنة ممن سبقهم، وقد رأيت أحد المشهورين يقول لما جئت الشيخ فلان وجدته من أهل السنة،  فتطلعت نفسي أن أعرف ما هذه السنة التي وجده عليها، هل هي التقوى هل هي المحبة، هل هي التوكل هل هي الخشية هل هي الذكر هل هي الصدقة هل هي الرضا ؟، فإذا بالسنة عند كثيرين مجرد رسوم وشعارات، وليست أحوالا ولا مقامات، وقد سمعت مولانا الإمام حفظه الله يوما يقول “من يدّعي الانتساب للسلف فليلزم صفتهم في قوله تعالى” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” فذلك هو هدي السلف الحقّ.

ومن النوافل التي كان المسلمون يكثرون منها في الأوقات المباركة، صلاة التسبيح، ومعلوم ما فيها من الخلاف بين من اعتبرها موضوعة ومن ضعف حديثها ومن حسنه، “ذاك خلاف والوفاق مُنتف” ولكن العمل جرى بها، وصححها جل العلماء والصالحين، حتى قال السبكي: فمن سمع ما ورد فيها – من الفضل- ثم تغافل عنها فهو متهاون في الدين غيرُ مكترث بأعمال الصالحين، لا ينبغي أن يُعَدَّ من أهل الخير في شيء، نسأل الله السلامة والعافية.”

وهي مروية عن كثير من السلف الصالح كعبد الله بن المبارك، وصححها البلقيني مجدد عصره، البالغ رتبت الاجتهاد، والحافظ السيوطي، وقبلهم الإمام البيهقي، وابن الصلاح ثم ابن حجر وهو مذهب الشافعية قاطبة، إلا قليل، ومن المالكية القاضي عياض وما أدراك ما القاضي عياض، وابن جزي في القوانين الفقهية والإمام الحطاب والإمام سيدي أحمد زروق، الذي يقول في شروط الطريقة: ومنها التحقيق في اتباع السنة بحيث لا نأخذ إلا بما صحّ أو قارب أو كاد…. ونعمل بصلاة التسبيح”، ومنهم الإمام سيدي أحمد بن ناصر. وألف الهاشمي بن عبد الله السلوي (ت 1170) رسالة “منهج التوضيح لمسائل صلاة التسبيح” وقد أحسن فيه ما شاء من الإحسان.

وسمعت أنا من مولانا الإمام في مجالس عديدة ذكر فضلها وأنه لا يتركها إلا في حال العجز والمرض، وحسبك بمولانا وبمن ذكرنا من الأئمة الأعلام تمسكا بالسنة رواية ودراية ونورَ بصيرة، والحمد لله رب العالمين. نفعنا الله بهم أجمعين.

وقد أثار المالكية استشكالا تطرحه إحدى صيغها بل صيغتها المرفوعة إلى ابن عباس، فإن فيها ما يقتضي جلسة الاستراحة، وهي ليست على وفق المذهب، فكان ذلك موجبا لتحرير أصل جليل من أصولهم في حدود التمذهب وهو ما قال أبو عبد الله الحفار إمام غرناطة ” نحن مالكيو المذهب في الأحكام الحلال والحرام، وعلى مذهب المحدثين في الرقائق ، كما كان سادة المسلمين الصوفية، وقال الإمام القيجاطي: أما أحكام الحلال والحرام فنحن فيها على صميم المذهب، وأما الآداب والقراءات فنحن على مذهب أئمة هذا الشأن”، وقال الإمام العقباني: التقليد إنما هو في الأحكام وأما مسائل الآداب فليست من هذا”.

وفقنا الله للحق والعمل به وتقبل منا جميعا وتجاوز عنا بمنه وكرمه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى